Au milieu des cloches du danger
وسط أجراس الخطر
Genres
تقبل هيرام العجوز الوضع ببلادة صبورة متجهمة كمن تلقى صفعة من التدابير الإلهية التي كان يعرف أنها مستعصية على الفهم. فقد عجز عن فهم ما الذي اقترفه في حياته ليستحق هذا المصير. ربط حصانيه بالعربة في صمت، ولأول مرة في حياته، ساقهما إلى فورت إيري بلا أي حجة منطقية للذهاب إلى هناك. عقل الحصانين في الركن المعتاد، وجلس بعدئذ في إحدى الحانات حيث شرب عدة أقداح من خمر مسكر بشدة لم يحدث فيه تأثيرا واضحا. بل بلغ به الأمر أنه دخن سيجارين يحويان مواد غير شرعية، ومن يفعل ذلك يستطع فعل أي شيء. كان يرى أن قبول ابنته التي رباها بزواج رجل من «الولايات المتحدة» بمحض إرادتها، وأن تأييد زوجته فعلا كهذا وتحريضها عليه، مانحة العدو بذلك كل الراحة والتأييد، بمثابة خيانة لكل تقاليد عام 1812، أو أي عام آخر في تاريخ البلدين. راودته في بعض اللحظات أفكار جامحة بأن يثمل إلى أن يفقد صوابه ويعود إلى البيت فيكسر كل ما هو قابل للكسر، لكن صوت الحكمة كان يهمس له بأنه مضطر إلى العيش بقية حياته مع زوجته، فكان يدرك أن تلك الخطة الانتقامية لها عيوبها. وأخيرا، فك رباط حصانيه الصبورين بعدما دفع فاتورته، وقاد عربته إلى البيت في صمت دون أن يرد أيا من التحيات التي حيي بها في هذا اليوم، ولا بإيماءة حتى. شعر ببعض الارتياح لأنه لم يسأل عن أي شيء، ولأن زوجته أدركت أنه كان يمر بأزمة. ومع ذلك، لمع بريق فولاذي في عينيها بث الخوف والقلق في نفسه؛ إذ بدا لسان حالها يخبره أنه قد بلغ حدا سيلقى عواقب وخيمة إذا تخطاه. صحيح أنها سامحته، ولكن عليه ألا يتجاوز أكثر من ذلك.
حين قبل ييتس كيتي عند البوابة متمنيا لها ليلة طيبة، سألها بشيء من الخوف عما إذا كانت قد أخبرت أي شخص بأمر خطبتهما.
قالت كيتي: «لا أحد سوى مارجريت.»
فسألها ييتس متظاهرا بأن رأي مارجريت غير مهم في كل الأحوال: «وماذا قالت؟». «قالت إنها متيقنة من أني سأكون سعيدة، وتعلم أنك ستكون زوجا صالحا.»
قال ييتس بنبرة رجل مستعد للتنازل والاعتراف بمحاسن فتاة أخرى غير فتاته، ولكن مع تأكيد أنه لا يعشق إلا واحدة في الدنيا كلها: «إنها فتاة لطيفة بعض الشيء.»
قالت كيتي بحماس: «إنها فتاة جميلة. أتساءل يا ديك عن السبب الذي جعلك تحبني أصلا في حين أنك تعرفها.» «عجبا! لا أرى عيبا في مارجريت، ولكن مقارنة بفتاتي ...»
وأنهى عبارته بتوضيح عملي لمشاعره.
وبينما كان يسير وحده على الطريق، خطر بباله أن مارجريت قد تصرفت بنبل كبير، وقرر أن يمر عليها ويودعها. ولكن حين دنا من المنزل، بدأت شجاعته تخذله، وارتأى أنه من الأفضل أن يجلس على السياج، بالقرب من المكان الذي جلس فيه في الليلة السابقة، وفكر في الأمر. ظل يفكر فيه مليا. ولكن بينما كان جالسا هناك، قدر له أن يعرف معلومة كان من شأنها أن تسهل عليه فهم كل شيء. فقد خرج شخصان من البوابة ببطء وسط الظلام المتزايد. تمشيا معا على الطريق ومرا به لكنهما كانا منشغلين بأنفسهما. فحين صارا أمام الصحفي مباشرة، أحاط رينمارك خصر مارجريت بذراعه، وكاد ييتس يسقط من فوق السياج. حبس أنفاسه حتى ابتعدت مسامعهما عنه بسلام، ثم نزل منزلقا من فوق السياج ومشى في الظل متثاقلا يجر قدميه حتى بلغ الطريق الجانبي، ثم سار عليه، متوقفا كل بضع لحظات منهمكا في التفكير، ليقول: «حسنا، سوف ...» ولكن بدا أن قدرته على النطق خذلته، فعجز عن التفوه بأي حرف بعد ذلك.
توقف عند السياج واتكأ عليه، محدقا للمرة الأخيرة إلى الخيمة، التي اكتست ببريق أبيض خافت، كشبح مشوه، وسط الأشجار القاتمة. لم يكن لديه طاقة متبقية لتسلق السياج.
تمتم قائلا لنفسه أخيرا: «حسنا، لست سوى قرد. يستطيع أعلى مزايد أن يشتريني بلا تحديد سعر أدنى حتى. آه يا ديك ييتس، ما كنت لأصدق ذلك عنك. أأنت رجل صحافة حقا؟ أأنت مراسل ذو خبرة كبيرة؟ أأنت بارع كفاية؟ إنني خجلان من أن يراني أحد برفقتك يا ييتس! عد إلى نيويورك، ودع أصغر مراسل آت من صحيفة ريفية يتفوق عليك ويسرق منك الأضواء. ما أشد دهشتي من أن ذلك الشيء كان يحدث أمام عينيك القويتين مباشرة، ولم تره قط! والأدهى أنك لم تشك فيه مثقال ذرة في حين أنه كان يدفع إليك دفعا عشرين مرة في اليوم، بل كاد رأسك الغبي يهشم بسببه، لكنك كنت تصيح باستمرار كالحمل الصغير الساذج الذي لا تختلف عنه إطلاقا، ولم تشك قط حتى! ديك، إن بلاهتك تكفي ملصقا كبيرا بالحبر الملون. ويا للعجب من أن كليهما يعرف كل شيء عن عرض الزواج الأول! كليهما! حسنا، حمدا للرب على أن تورنتو بعيدة كل البعد عن نيويورك.»
Page inconnue