فَحَدَّثَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: أَنَّ الْقِتَالَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَأَنَّ الَّذِي يَسْتَحِلُّونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ، مِنْ صَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ حِينَ يَسْجِنُونَهُمْ وَيُعَذِّبُونَهُمْ وَيَحْبِسُونَهُمْ أَنْ يُهَاجِرُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَصَدِّ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّلاةِ فِيهِ، وَإِخْرَاجِهِمْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْهُ، وَهُوَ سُكَّانُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِتْنَتُهُمْ إِيَّاهُمْ عَنِ الدِّينِ.
فَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَقَلَ ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ، وَحَرَّمَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ، كَمَا كَانَ يُحَرِّمُهُ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ ﷿ ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: ١]
فقوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ٢١٧] يعني: أهل الشرك يسألون عن ذلك على جهة العيب للمسلمين، باستحلالهم القتال في الشهر الحرام.
وقوله: قتال فيه تقديره: عن قتال فيه، وكذا هو في قراءة ابن مسعود.
قل لهم يا محمد، قتال في الشهر الحرام، كبير أي: عظيم في الإثم، وتم الكلام ههنا، ثم قال: ﴿وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢١٧] يعني: صد المشركين رسول الله ﷺ وأصحابه عن البيت عام الحديبية، وكفر به أي: بالله، والمسجد الحرام ينخفض بالعطف على سبيل الله تقديره: وصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام، وإخراج أهله أهل المسجد، منه أكبر أعظم وزرا، ﴿عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ﴾ [البقرة: ٢١٧] الشرك والكفر، ﴿أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة: ٢١٧] يعني: قتل ابن الحضرمي.
ولما نزلت هذه الآية كتب عبد الله بن جحش، صاحب هذه السرية، إلى مؤمني مكة: إذا عيركم المشركون بالقتال في الشهر الحرام، فعيروهم أنتم بالكفر وإخراج الرسول من مكة، ومنع المؤمنين عن البيت.