كلمة
وردة اليازجي
1 - لمحة في حياتها
2 - ديوان حديقة الورد
3 - شعرها
4 - نثرها
كلمة أخرى
كلمة
وردة اليازجي
1 - لمحة في حياتها
2 - ديوان حديقة الورد
3 - شعرها
4 - نثرها
كلمة أخرى
وردة اليازجي
وردة اليازجي
تأليف
مي زيادة
كلمة
هذه الرسالة الوجيزة التي ستقرأ ألقيت محاضرة في جمعية الشابات المسيحية في منتصف شهر مايو سنة 1924م ونشرت تباعا في «المقتطف».
توفيت وردة اليازجي في مطلع تلك السنة بمدينة الإسكندرية. والأستاذ سليم سركيس صاحب الأسلوب اللبق الخاص في التمهيد لبعض الموضوعات والتنبيه إلى ما يحب من الأغراض، نشر يوما في مجلته خطابا منه إلى وردة اليازجي في السماء، وأخبرها في الختام أني عاكفة على درس آثارها على الطريقة التي درست بها «باحثة البادية» من قبل. فوقعت كلمته مني موقع الحض والاستحثاث. وأردت أن أقوم بالواجب نحو اليازجية، مع علمي بصعوبة الكتابة عنها؛ لتشابه المعاني التي تركتها في الشعر والنثر وخلو آثارها مما قد كان يرسم صورة من طبيعتها وميولها الصميمة.
وإذ تلقيت دعوة الجمعية لإلقاء محاضرة مع الحرية في اختيار الموضوع، كان خيال الست وردة يطوف في خاطري، وديوانها بين يدي أقلب صفحاته وأستخرج عصيره.
ولا يسعني هنا إلا أن ألمح ولو بإشارة طفيفة إلى تقديري لجهود العاملات من اللاتي سبقن جيلنا، ففتحن لنا الطريق. أقول: «فتحن الطريق» مع أنهن وضعن عند عتبة المجاهل علامة ليس غير. على أن لتلك العلامة قيمتها وفائدتها، لا سيما إذا ما ذكرنا الوقت الذي وضعت فيه. فبقي علينا نحن أن نستكشف طبيعة المرأة الشرقية لنسجلها في الوجود، ونسعى بعدئذ لإنمائها وصقلها فنبرزها كما هي في جوهرها تحفة وينبوعا وذخيرة.
إن خير ما تركته شاعرتنا أبيات النوح والرثاء. وهي لم تكن تدري أنها ستنشئ بعد وفاتها «قصيدة» من أنفع قصائدها. ألا وهي أن تباع هذه المحاضرة التي أوحاها اسمها في سبيل إعانة المنكوبين ببلادها.
ألا فلترفرف هذه الفكرة على مضجعها الأخير رفرفة رقيق النسمات وحبيب الذكريات! «مي»
وردة اليازجي
أيتها السيدات والأوانس!
أكاد أشعر بأني معبرة عن رأي كل منكن بتحبيذ هذه الاجتماعات النسوية والتنويه بالفائدة منها والنتيجة؛ لأن المرء كثيرا ما يتجرد من شخصيته الصميمة أمام من يختلف عنه بطبيعته وأحواله، وذلك ليهتم بأمور غريبة عنه وقد لا تروقه دائما.
وفي هذا التجرد من الشخصية لاستيعاب ما هو غريب عنا غيرية ممدوحة توسع النفس وتهيئها للإلمام بجزء أكبر من الحياة. ولكن من طبيعة الإنسان - فردا كان، أم مجموعا، أم جنسا - أن يرجع إلى نفسه حينا بعد حين. فيتعهدها بالسكوت والتأمل، أو يتحدث عنها بأسلوب من الأساليب، أو هو يصغي إلى المتحدثين عن نفوسهم أو عن نفوس الآخرين بما في وجدانه من الخوالج الواضحة أو المبهمة.
ولما كنا في مثل هذا الاجتماع عاكفات على شئوننا النسوية دون رقيب أو محاسب، تيسر لنفوسنا أن تصفو من الشوائب، فتستسلم لما يجوز أن نسميه «مغناطيس الخير».
وما هو إلا ذلك الفيض الذي يغمر كل جمهور التأم لغرض نبيل. فيدفق في كل قلب وينعش منه القوى، ويحمله على تقدير ممكناته وتقدير الحياة. فيعود القلب جذلا كأنه وجد نفسه فهزته عوامل العطف والصلاح والنشاط وحب السعي لغاية نافعة.
وإني لشاكرة لهذه الجمعية الكريمة دعوتها. ولكنت أشكرها الشكر ذاته لو هي دعتني أصغي إلى إحداكن بدلا من التحدث إليكن. فإن كل امرأة مخلصة يسمع الشرق صوتها في هذه الأيام إنما تترجم عن بعض ما يخامر جميع الشرقيات. ويزيد في سروري أن يضم هذا الاجتماع طائفتين من الطوائف التي تعلق عليها البلاد أعز آمالها؛ أعني طائفة المعلمات وطائفة المتعلمات.
تساءل يوما لورد بايرن الذي احتفل أخيرا بيوبيله المئوي: «ما هو الشعر؟» ثم أجاب: «هو الشعور بعالم مضى وعالم مقبل.»
وهذه الكلمة من خير ما يعرف به طور التربية والتعليم. أي إن المنحنى على النفوس الفتية يعالج إنماءها وصقلها لا بد له أن يسبر غور الماضي ليكون على بصيرة مما يمكنه أن يعد للمستقبل من الشخصيات الصالحة.
هي هذه الفكرة - وقد علمت أن هذا الاجتماع سيضم الناظرات والمعلمات والطالبات من مدارس الحكومة - التي ساقتني إلى الكلام عن وردة اليازجي ، وهي من أشهر النساء اللائي عرفهن تاريخ الآداب العربية ومن أذكاهن وأفضلهن.
الفصل الأول
لمحة في حياتها
يخيل إلي أن آلهة اليقظة والنشاط شاءت أن تتفقد الشرق حوالي منتصف القرن الماضي، فنشأت فئة من فضليات النساء على مقربة من الرجال الذين قدر لهم أن يكونوا عاملين في صرح الشرق الجديد. فولدت عائشة عصمت تيمور في مصر سنة 1840م، وولدت في تلك الأعوام بسوريا وردة الترك، ووردة كبا، ولبيبة صدقة وغيرهن. وولدت زينب فواز صاحبة «الرسائل الزينبية» و«الدر المنثور»، في صيدا سنة 1860م. وولدت في العام نفسه فاطمة علية ابنة المؤرخ التركي جودت باشا. وهي رغم كونها كتبت بالتركية فإن لها الحق أن تذكر بين أديبات العرب؛ لأنها عرفت لغتهن، وانتشر صيتها في أقطارهن، وعاشت طويلا في بلادهن التي جاءتها طفلة في عامها الثالث يوم تولى والدها ولاية حلب بعد أن كان وزيرا للمالية في الدولة العثمانية. ويوم أن ولدت زينب فواز وفاطمة علية، أي سنة 1860م، كانت وردة اليازجي في الثانية والعشرين من عمرها. لأنها ولدت سنة 1838م، هي ومريانا مراش الشاعرة الحلبية في عام واحد.
تذكرن، أيتها السيدات، أن ذوي المواهب البارزة ينقسمون إلى فريقين أولين، ينقسم كل منهما بعدئذ إلى أجزاء صغيرة شتى؛ وهما أولا: الفريق الذي يشذ عن محيطه ويسبق جيله بإدراكه وفطنته وابتكاره. وثانيا: الفريق الذي هو ابن محيطه وابن يومه، تتلخص عنده مدركات جماعته وعواطفها فيحدثهم عنها بلهجة بليغة قريبة المنال.
والفريق الأول يكثر مناهضوه في الغالب فيظل منفيا في قومه، غريبا في جماعته. إن هم أنالوه مرة ما لا يضنون به وبأكثر منه على من هو دونه، فإنهم يكفرون عن ذلك بتعذيبه بعدئذ ووضع العراقيل في سبيله ما استطاعوا. ولا ينفك الحسد والعجز يهاجمانه بالدسائس والوشايات والتحريف والانتقاص، غير مغتفرين له ما تفرد به. قلائل هم أبناء هذا الفريق. ولكنهم رسل الإلهام.
بل هم المستقبل الذي يحيا في الحاضر، ومنهم تنبثق الأفكار الكبيرة والآراء النيرة، وأياديهم هي التي تنثر أنفس البذور، وأصواتهم هي التي ترسل أجرأ الصيحات. فلا يثمر جهادهم إلا بعد وفاتهم؛ يوم يشب النشء الجديد متوقدا يقظا فيتلقف مبادئهم ويحققها شيئا فشيئا. وإني لأضرب لكن مثلا بواحد من هؤلاء؛ وهو قاسم أمين الذي اضطهد في سبيل دعوته إلى الإصلاح الاجتماعي. وتولى ربع قرن تقريبا، فإذا بآراء قاسم أحيا اليوم منها في حياته. لقد أنضجها الدهر على مهل. فتناولتها بمعانيها الأصلية القويمة فئة من صفوة رجال الأمة ونسائها.
أما الفريق الآخر فيتكلم بلغة أبناء جيله، ويعبر عن حاجتهم، ويشعر بما به يشعرون. فيكونون أقرب إلى فهمه وأبعد عن مناهضته؛ لأنه ثمرة هذا الوسط؛ نشأ على ما كان ينبغي أن ينشأ، وأظهر من شخصيته مثالا كريما وجاء بأحسن ما ينتظر منه. وكأن أهل هذا الفريق هم الذين يغذون الجمهور بما يناسبه لينمو، ويقودونه خطوة خطوة نحو مستقبل يصير عنده أهلا ليدرك ما يريده أهل الفريق الأول؛ جماعة الشاذين والخياليين والنظريين كما يسميهم «العمليون»!
من أهل الفريق الثاني كانت وردة اليازجي. نشأت في أسرة يقوم على رأسها ذلك الأستاذ الكبير والدها الشيخ ناصيف الذي كان في طليعة العاملين لإيقاظ الشرق الأدنى من غفوته. وقد اقتفى أثره في الفضل والده العالم اللغوي الشيخ إبراهيم، والأديب الشاعر الشيخ خليل اليازجيان، فكانت هي باستعدادها الأدبي وتوقد جنانها جديرة بأن تكون ابنة هذا الوسط بالمعرفة والاجتهاد كما هي ابنته بالدم والقربى.
ولدت في قرية كفر شيما من ساحل لبنان، وانتقلت مع عائلتها طفلة إلى بيروت؛ حيث تعلمت في مدارس الأمريكان الصغرى،
1
وتلقت على سيدة يهودية متنصرة مبادئ اللغة الفرنساوية. ثم عني بها والدها فدرسها أصول اللغة في كتبه وتوسم فيها استعدادا للشعر فمرنها عليه بأن كان يراسلها نظما عند تغيبه عن المدينة، ويعهد إليها في الرد على بعض مراسليه من الشعراء.
فقرضت الشعر في الثالثة عشرة من عمرها، وتعاطت التدريس مدة في إحدى المدارس الأهلية. وكانت في بيت والديها تساعد على الاعتناء بتربية أخواتها وإخوتها الاثني عشر وهي رابعتهم. وظلت بعد زواجها ابنة وسطها وابنة يومها؛ شرقية تلبس الطربوش، وتأتزر عند الخروج من البيت، وتشرب القهوة التركية على وقع نقير الماء المعطر في قلب الشيشة الفارسية، وتنتسب لأسرة أبيها على الطريقة العربية.
ولا علم لنا بتاريخ حياتها الفردية، وهل هي كانت بها سعيدة أم غير سعيدة. ولا أثر لتلك الحياة الخاصة في شعرها الذي لا يرسم إلا الخطوط الظاهرة، ولا يتكلم إلا عن الحوادث المألوفة من زواج وولادة وموت. وإذ أستجوب صورة لها من صنع شقيقها الشيخ إبراهيم وهي في سن الخمسين - أشعر بوضوح أنها كانت في طبيعتها أغنى منها في شعرها.
ففي هذه الصورة الجاذبة ذات العينين العميقتين معان وأغوار لم تبد في قصائدها. وأرى في الشفتين المطبقتين بلطف وإحكام مصداقا لما قيل لي إنها كانت عليه من قوة الإرادة والعزم والتروي والتبصر.
2
حتى إذا شاءت أن تتكلم كانت من فصاحة النطق وبراعة الحديث؛ بحيث يصمت شقيقها الشيخ إبراهيم تهيبا في حضرتها، فيكون لها الحديث ويكون له الإصغاء. قد يرى الأشرار في هذا مجالا جديدا للطعن في المرأة فيقولون إن الشاعرة كانت تتكلم بدافع حب جنسها للكلام، وأن أخاها كان يسكت لأنه رجل ... ولكن لا ننسين أن هذا رأي الأشرار، وأننا من الصالحين الذين يكتشفون الفضل في معدنه.
وكان زوجها من أهل العلم كذلك؛ فظلت تنظم بعد الزواج، واستخرجت من منظوماتها ديوان «حديقة الورد» الذي طبع أول مرة في بيروت سنة 1867م؛ أي بعد زواجها بعام واحد. وأعيد طبعه بعد عشرين سنة. ثم طبع مرة ثالثة سنة 1914م في مطبعة هندية بمصر. وكانت تضيف إلى كل طبعة جديدة خير ما نظمته في تلك الفترة، حتى استقرت الطبعة الثالثة على نحو مائة صفحة من القطع الكبير. وهي هذا الكتاب الذي ترين، أيتها السيدات.
وإني لأرجو السيدة نور الهدى
3
أن لا تعاقبني هذه المرة لأن كتابي ممزق. إني شديدة الحرص على كتبي عادة. وما أصبحت «حديقة الورد» على هذه الحالة المهشمة إلا لأني أكثرت من معالجتها وتعذيبها في هذا الأسبوع إرضاء لكن يا سيداتي. وأحرجني الوقت فلم يسمح لي بتجليد الكتاب.
وكانت الشاعرة قد انتقلت بعد وفاة زوجها سنة 1899م إلى الإسكندرية فصرفت فيها بقية حياتها مع ولدها الدكتور سليم شمعون، من خيرة أطباء الثغر. ولها ابنة تدعى لبيبة يظهر أنها نشرت بعض آرائها في الصحف، ولكني لم أطلع على شيء من تلك الكتابات. وتوفيت الشاعرة في أوائل هذه السنة وهي في مطلع عامها السابع والثمانين. فذوى بها الغصن الأخير من الدوحة اليازجية الأثيلة.
الفصل الثاني
ديوان حديقة الورد
يقول السيد جورج باز، نسيب الشاعرة، مناصر المرأة في سوريا، ومن أخلص مناصريها في العالم: إن «حديقة الورد» هو الديوان الوحيد الذي طبع ثلاث مرات لشاعر معاصر.
وعلى كل فهو الأثر الوحيد الباقي من آداب وردة اليازجي، ولا شك أنها اقتبست اسمه من اسمها. كما يلوح أن اسم الورد المتواتر في كتابات الشعراء كان يذكره بلذة أدباء عائلتها، ولو أنهم عنوا به رمزا غريبا، كأنه صار يخصهم أكثر من غيرهم لاتصال شاعرتهم به. ففي ديوان أخيها خليل المدعو «نسمات الأوراق» أبيات شجية عن الورد. هذا مثال منها:
ألا روحوا روحي برائحة الورد
فقد جاءنا فصل الربيع من البعد
ألا متعوني مرة من شميمه
فيذهب عني بعض ما بي من الوجد •••
ولله ورد ليس يبرح ناضرا
فلم يك مختصا بشهر له فرد
1
أتوق إليه مثلما اشتاق آيل
إلى ما به يروي ظماه من الورد
وأهفو لأنفاس النسيم إذا أتى
لنا من لدنه حاملا أرج الند
كذلك نتخيل أن ابن شقيقتها الشيخ نجيب الحداد متشبع من ذكرها عندما يترنم بذكر الورد في ديوان «تذكار الصبا» حيث يقول فيما يقول:
لشخصك من زهر الربى لقب الورد
وهيهات ما للورد حسنك في الود
تفوقينه ريحا ولونا ومنظرا
وبقيا على طول المودة والعهد
فللورد شهر واحد ثم ينقضي
ووردك باق لا يزول عن الخد •••
فسبحان من أنشاك شخصا وقد حوى
رياض جنان الخلد باسم من الورد
وقال شقيقها الشيخ إبراهيم في تقريظ ديوانها:
هذي حديقة ورد عز جانبها
وحبذا روض ورد يفرج الكربا
من طافها ير فيها الدر منتظما
والطيب منتشرا، والسكر مختلبا
كالورد نضده في روضه سحرا
در الندى، أو كراح كللت حببا
أو بحر خمر بماء الورد ممتزج
والجوهر الفرد فيه يملأ العببا
وهذه كما يظهر أبيات تقريظ للإرضاء لا للتعبير عن رأي في المجموعة.
ولقد دعيت الوردة ملكة الزهور منذ أقدم العصور، وتغنى بمدحها شعراء جميع الأمم؛ فزعم الإغريق في أساطيرهم أنها نشأت من قطرة من دم أدونيس حبيب الزهرة. أو من قطرة كوثر تناثرت من يد الآلهة يوم ولادة هذه الزهرة، ربة الجمال. وحسبها آخرون منورة من ابتسامة إله الحب، أو متساقطة من رأس إلهة الفجر عند تسريح شعرها في الضحى.
ومهما كثرت الرموز فالوردة ما زالت كما كانت دواما زهرة الأحزان كما هي زهرة الأفراح. ترمز إلى الشباب والجمال والحب، كما تستعمل في الزينة والأرواح العطرية والأدواء الطبية. وتتناسق منها الأكاليل؛ أكاليل الوداع، على قبور الأحباب ونعوش الراحلين، كما نراها جميعة ومفرقة في حفلات الأنس واللهو والطرب.
وذلك شأنها عند وردة اليازجي.
ففي حديقتها ورود باهتة في اللطف والمجاملة، وأخرى حمراء قانية في المودة والشوق، والقسم الطامي هو ورود قاتمة؛ ورود الفراق والحداد، ورود الرثاء والنحيب المبللة بدموع العين، المضمخة بزفرات القلوب.
الفصل الثالث
شعرها
(أ) ورود المجاملة الصافية
كل ما نظمته ينقسم إلى قسمين: المدح والرثاء.
ففي باب المدح يدخل شعر التقريظ والترحيب والتراسل مع أدباء العصر وأديباته. فهي تستهل حديقتها بأبيات ردت بها على الشاعرة وردة ابنة نقولا الترك الشاعر. والشطر الأول من المطلع سار في الآداب السورية مسير الأمثال وصار نعتا للسيدة وردة. وهو:
يا وردة الترك، إني وردة العرب
فبيننا قد وجدنا أقرب النسب
أعطاك والدك الفن الذي اشتهرت
ألطافه بين أهل العلم والأدب
وقالت تجيب شاعرة أخرى، وردة كبا (ويظهر أن الشعر في ذلك العصر كان محظوظا «بالوردات»):
أزهار ورد قطفناها بأبصار
ونشر ورد شممناه بأفكار
ووردة أثمرت في القلب إذ غرست
ولم أر وردة تأتي بأثمار
لقد سمت في الورى قدرا، فلا عجب
فالورد بين الورى سلطان أزهار
ولئلا تؤاخذ بامتداح نفسها عن طريق غيرها فقد استدركت في الختام بقولها:
بيني وبينك في أسمائنا نسب
لكنما بيننا فرق بأقدار
والورد من بعضه النسرين يشبهه
في العين، لكنه من طيبه عار
هذا أسلوب من التواضع في الشعر العربي، ونجده كما نجد معاني المدح ذاتها مكررة تقريبا في كل قصيدة وجهتها إلى مراسليها ومراسلي والدها من مصريين وعراقيين وسوريين. فقد ردت على عالم من أصدقاء والدها بقولها:
سلام فاح كالورد النصيبي
يساق لذلك الربع الخصيب
إلى من في الكمال له صفات
كمسك فاح منه كل طيب
قصائده كضوء الشمس تجري
ولكن لا تصادف من غروب
وتهدي إلى أمين بك سيد أحمد في الإسكندرية نسخة من ديوانها فتقول:
هذي حديقة ورد قد بعثت بها
إلى حديقة فضل في الورى عظما
سيرتها نحو غيث طاب مورده
مشفوعة بثناء أشبه النسما
يشدو بها كل بيت في مناقبه
حلا بوصفك نظم الشعر فابتمسا
وجوابا على رسالة أخرى من أديب مصري:
أهلا بخود إلينا أقبلت سحرا
تزهو كبدر الدجى تحت الظلام سرى
أرى عليها لآلي النظم زاهرة
من بحر علم يروق السمع والبصرا
جاءت من البحر فوق البحر زائرة
فليس نعجب أن أهدت لنا دررا
وقالت مرحبة بالأميرة تاج الشهابية وقد جاءت «رأس بيروت»:
ما لي أرى من بيروت مبتسما
والزهر ينبت فوق الروض أفواجا
وقلت ماذا اقتضى هذا السرور لها
قالوا رأت في أعالي رأسها تاجا
ورحلت تلك السيدة إلى مكان يقال له «الوادي»، فقالت الشاعرة:
تحية من مشوق زائد الغلل
تهدى إلى تاج مجد من ذوي الدول
لطيفة الذات يهديها النسيم إلى
واد له الشوق في الأحشاء كالجبل
إلى التي صار قلبي اليوم مسكنها
كأنها الشمس حلت منزل الحمل
وأصغين جيدا إلى هذا البيت:
يا من بها زهت الأيام قائلة
لا تحسبوا أن كل الفضل للرجل
وحيت البرنسس نازلي المصرية يوم زارت لبنان كما حيت الأميرة نايلة شقيقة السلطان عبد الحميد، ومما قالته في الترحيب بها:
يا ثغر بيروت البهيج، تبسم
وبحمد خالقك الكريم ترنم
اليوم زارتك المليكة فاكتست
شرفا ربوعك بالطراز المعلم
هي غصن دوحة آل عثمان الألى
شادوا فخارا ليس بالمتهدم
قوم لهم شرف الخلافة والعلا
بين الملوك من الزمان الأقدم
ومنها هذا البيت الذي أود أن أوجهه إلى كل فاضلة من أخواتنا المحجوبات:
خود بدت تحت اللثام، ومجدها
قد لاح بين الناس غير ملثم
وجوابا لعيسى أفندي إسكندر المعلوف المؤرخ والعضو في المجمع العلمي بدمشق:
أهلا بأكرم غادة
أهدى بها المولى الخطير •••
باتت تطارحني حد
يثا رق كالماء النمير
عذب يروق زلاله
وردا، ويشرب بالضمير
من كل قافية بدت
كالزهر في الروض المطير
ولطيف معنى كالنسيم
جرى بأنفاس العبير
خلعت علي من الثنا
ثوبا بمرسلها جدير
وقالت مقرظة تاريخ الصحافة العربية للفيكونت فيليب طرازي، وقال لي حضرته: إن هذه الأبيات آخر ما نظمت:
يا ذا الهمام الذي أحيت عنايته
تاريخ كتابنا من سالف الزمن
خلدت ذكر الصحافيين فيه كما
أوليتهم منة من أعظم المنن
فلترو فضلك منهم ألسن بقيت
وليشكرنك عظم في التراب فني
وقالت حينما انتخب دولتلو سليمان أفندي البستاني مبعوثا عن بيروت:
أخلق ببيروت دار العلم من قدم
أن تصطفيك على الأيام معوانا
فالله لما ارتأى إعلان حكمته
ما اختار من شعبه إلا سليمانا
ومن أهم هذه المجاملات ما راسلت به الشاعرة المصرية عائشة عصمت تيمور، التي أثنت عليها في مقدمة ديوانها «حلية الطراز» ثم أهدت إليها نسخة منه. فعقب ذلك مساجلة لطيفة في الشعر والنثر؛ حيث تبارت كل من الشاعرتين في مدح صاحبتها وتنضيد القول. وقد أثبتت هذه المراسلة زينب فواز في «الدر المنثور». أما في «حديقة الورد» فلا نجد إلا قصائد اليازجية إلى التيمورية. ومنها شكر على الهدية:
قد أعاد الزمان عائشة في
ها فعاشت آثار علم قديم
هام قلبي على السماع وأمسى
ذكرها لذتي وفيه نعيمي
وردا على رسالة:
يا نسمة من أرض وادي النيل
وردت فأطفت بالسلام غليلي
نفحت بلبنان ففاح أريجها
سحرا بأشهى من نسيم أصيل •••
عز اللقاء على المشوق وللمنى
عندي حديث ليس بالمملول
وعلام لا أهوى علاك وما الذي
بهواي فيك ترى يقول عذولي؟
أنت الفريدة في النساء، فكيف لا
أهوى حبيبا بات دون مثيل؟
علمتني قول النسيب، وهجت بي
ما هاج حب بثينة بجميل
شوقي لمجلسك الكريم، وإنه
شوق الطروب إلى كئوس شمول
ثم تشكر على ما في الرسالة من ثناء شعري:
ولقد أفضت علي منه لآلئا
حسدت بها جيدي كرائم جيلي
من كل قافية كأبكار الدمى
ترنو إلي بناظر مكحول
وافت تحييني فأحيت مهجة
طابت بلثم المرشف المعسول
بذلت لي الود الذي استمنحته
فهتفت يا بشرى بأكرم سول!
وفي قصيدة أخرى على كتاب «نتائج الأحوال»:
فتاة زينت جيد المعالي
بدر من حلى الآداب رطب
أهيم لها على بعد، وماذا
على الأقدار لو سمحت بقرب
على مصر السلام وساكنيها
وما في مصر من ماء وترب
على ربع به قلبي مقيم
ومن لي أن أقيم مكان قلبي •••
رأيت نتائج الأحوال فيه
ممثلة تلوح بغير نقب
لتيمورية العصر المحلى
بما نسجت يداها كل حقب
أدبية معشر شرفت أصولا
وسادت بين أقلام وكتب
ولا ندري ما إذا اجتمعت الشاعرتان بعد هذه المراسلة يوم جاءت وردة اليازجي مصر سنة 1899م قبل وفاة عائشة تيمور بثلاثة أعوام. ففي أبيات الحنين إلى مصر لهجة صادقة، رغم أن موضوع الأبيات من الموضوعات التي تتطلب المجاملة لا سيما في ذلك العصر؛ حيث لم يكن الصدق غرض الشاعر، وكان يندر من الكتاب الذي يعنى بأمانة التفكير والتعبير.
أقول: «في ذلك العصر»؛ مع تمام العلم بأن أكثر ما يتهاداه الأدباء والشعراء في أيامنا من هذا النوع وإن صار بعضهم أحرص على كرامة آرائهم وإحساساتهم. (ب) ورود المودة والشوق
قالت اليازجية للتيمورية:
علمتني قول النسيب، وهجت بي
ما هاج حب بثينة بجميل
إلا أني أشك في أن التيمورية وحدها هاجت عند «وردة العرب» ما هاج حب بثينة بجميل. وأرجح أنها ككل قلب حساس تعلمت ذلك القول في احتياجها إليه، لأن الحب لغة طبيعية لا بد أن تستوفي حقها من الوجود بصورة من الصور. وقد كتبت في المودة والشوق أبياتا قلائل إلا أنها تستمد من عاطفة تملأ القلب رغم التقيد في التعبير عنها بالمعاني والاستعارات المألوفة. ففي معارضتها لقصيدة ابن زريق البغدادي حيث تجد ما لا مندوحة عنه من جريان «الأدمع كغوادي السحب» و«ذوب الأضلع من الأشواق»، إذا بنا نعثر على هذا البيت البسيط الصادق حيث نعلم أن القلب المحب:
ما زال يصبو إلى ربع أقام به
قلب له ساقه شوق يشيعه
ليس هذا البيت من أجمل أبيات وردة اليازجي، ولكنه من أصدقها. وهي وإن أخطرتنا في العنوان أن الأبيات قيلت في «صديقة» فنحن ندرك أن منها ما هو موجه إلى «صديق». وإنما أخفيت وراء برقع التأنيث في العنوان مجاراة لحكم المجتمع الذي كان يقضي على المرأة بكتمان عواطفها، حتى في الشعر. أيمكن أن يكون هذا الخطاب «لصديقة»:
رحل الحبيب، وحسن صبري قد رحل
فمتى يعود إلى منازله الأول
وتضيء أرض أظلمت من بعده
وتقر عيني باللقا قبل الأجل •••
يا غائبا والقلب سار بأثره
شوقي مقيم في فؤادي كالجبل
إن كنت غبت عن العيون مهاجرا
فجميل شخصك في فؤادي لم يزل
أما كيفية سير القلب في إثر «الغائب» وإقامة الشوق في ذلك القلب باسم «الفؤاد» «كالجبل»؛ أي كيف يذهب القلب ويبقى في آن واحد وفي بيت واحد، فمن الأمور التي لا يعرف أسرارها إلا الشعراء والعاشقون.
وفي رسالة فراق أخرى:
مني السلام على ديار أحبتي
كالمسك تحمله الصبا إذ هبت
قسما بذاك الربع، قبلي ما صبا
إلا لربع في رباه جنتي
يا حبذا تلك الديار وإن تكن
ذابت عليها بالصبابة مهجتي!
ومثلها:
مني السلام على الذي هجر الحمى ... ... ... ... •••
الشوق زاد من البعاد تحسرا
والنوم صار على العيون محرما
والصبر عيل لهجره ولبعده
والبدر غاب وقطرنا قد أظلما
يا راحلا أضحى فؤادي عنده
وبقيت من وجدي أراعي الأنجما •••
فمتى أفوز من الحبيب بنظرة
وتقر عيني بعد ما قطرت دما
طال البعاد على الكئيب المرتجي
أن يجعل الله اللقاء مقدما
وأخرى:
جز يا نسيم على وادي النقا سحرا
وسل عن الصحب هل تلقى لهم خبرا
وحيهم عن محب لا يزال على
عهد المودة، طال البعد أم قصرا •••
يا جيرة الحي، هل عود نؤمله
ويا ليالي الهنا، هل ترجعين، ترى؟
أحبابنا، ما أمر العيش بعدكم
وهل يطيب لقلب بات منفطرا؟
وإليكن نشيد الابتهاج بالعودة بعد البعاد:
زار الحبيب فزار أجفاني الكرى
ودنا سرور كان عن قلبي سرى •••
أهلا بمن أخذ القلوب وديعة
وأعادها معه تخوض الأبحرا
إني ظننت لقاه وهما كاذبا
إذ كان في عيني يظل مصورا •••
أهديته در الكلام منظما
يبدو لدى درر الدموع منشرا
لا رد أيام السرى بعد اللقا
من رد أيام اللقا بعد السرى
وجميع هذه المعاني على سذاجتها هي أول ما يخطر للمحب شاعرا كان أم فيلسوفا أم فلاحا أميا يعمل في الغيطان؛ لأن عاطفة الحب التي تنشر آفاقا فيحاء لامعة تترقرق فيها عجائب الوجود، تحول في الوقت نفسه الحياة إلى أبسطها بتحويلها مجموع الإنسانية وحصرها في شخص واحد، وعاطفة واحدة، وأمل واحد.
ولكن مر على «وردة العرب» طور الصبا والكهولة، واستقرت العواطف بحكم الأيام وبحكم الأحزان. وسكنت الإسكندرية على مقربة من ولدها فإذا بتذكارات الشباب تعاودها منغمة في قلبها أنغام الإيقاع والموسيقى الشعرية، فقالت في التذكار والشوق إلى لبنان:
يا ربى لبنان، حياك الحيا
وسقى تربك هتان الغمام
يا ربوع الأنس، يا دار الصفا،
يا جنان الخلد، يا أهنا مقام
حبذا لبنان مع غاباته
حبذا تلك الصحاري والأكام •••
وخرير الماء في تلك الربا
كحنين من محب مستهام
حبذا منه ربيع قد حكى
معرض الأزهار يزهو بابتسام •••
أنت لي يا خير أرض جنة
جمعت كل سرور وسلام
حبذا أيام أنس فيك يا
وطني المحبوب زالت كالمنام
طالما هيج لي تذكارها
شجنا يشعل في قلبي ضرام (ج) ورود الغم والحزن
هنا ننتقل إلى الورود القاتمة، ورود الموت والتأبين المنثورة على القبور. قصائد الرثاء هي النصف الأكبر من هذا الديوان. وجرت الشاعرة في هذه القصائد على عادة عصرها في تأبين العظماء والعلماء والأصدقاء، وفي وضع تواريخ للوفيات وللأضرحة. فتبدأ هذه المراثي عادة بالحكم الشائعة في فلسفة الموت والعجز عن مصارعته، وفي أنه لا يرحم أحدا. كقولها في رثاء مارون النقاش:
الموت للناس كالجزار للغنم
فليس يترك من طفل ولا هرم
وفي رثاء الأمير أمين رسلان اللبناني:
كأس المنية دائر بين الورى
يسقي الكبير ولا يفوت الأصغرا
ما هذه الدنيا بدار إقامة
إلا كطيف الحلم في سنة الكرى
كل إلى هذا الطريق مسافر
لا بد منه مقدما ومؤخرا
الموت لا يبقي صحيحا سالما
إلا أتاه بعلة فتكسرا
هذا أمير المجد بات موسدا
بضريحه المبرور محلول العرى
هذا هو السيف الصقيل أصابه
سيف من القدر الذي قد قدرا •••
يا من تيتمت البلاد لفقده
وتوشحت ثوب البلاد الأغبرا
كانت بإمداد الأمين أمينة
والدهر لم يمدد إليها خنصرا
وفي رثاء السيدة كاتبة بسترس:
داعي المنية في البرية قد دعا
لينبه الغرقان في سنة الكرى
سكر الجميع بحب ذي الدنيا فما
فاق امرؤ منهم ولا أحد صحا
في كل يوم قام ميت منذر
يدعو، وما من سامع ذاك الدعا
وهذا البيت الجميل في بساطته ومتانته:
يشقى ويبني المرء طول حياته
والموت يأتي هادما ما قد بنى
والغريب أنها تجد سبيلا إلى تفسير الموت على ذلك النحو من «الحكمة» عند وفاة طفل لها تقول إنه كان في غاية الذكاء:
زود النفس قبل شد الرحال
إن هذي الحياة طيف خيال
واصحبن التقى أمامك مصبا
حا لتجلو ظلام تلك الليالي
وبعد عشرة أسطر بهذه اللهجة تخاطب الطفل قائلة:
يا هلالا قد احتوى نور بدر
كيف لو تم نورك المتلالي
وليس هذا الطفل بالعزيز الوحيد الذي خلف لها الحسرة، بل تعد وردة اليازجي بحق شاعرة الرثاء والتأبين فهي رثت إخوتها الستة وأختا، ورثت والدها وزوجها وولدين لها وبنتا. فتقول في رثاء أخيها حبيب الذي يظهر أنه كان شاعرا أيضا:
يا عين وردة، في الأسحار والأصل
أبكي لفقد حبيب عنك مرتحل
ويا فؤادي تفتت بعد مصرعه
فإن سيف المنايا سابق العذل
ويا سلو ابتعد عن مهجتي أبدا
ويا دموع انزلي كالعارض الهطل
ويا حمائم نوحي واندبيه معي
وغردي بالأسى والحسن، لا الجذل •••
يا فارس اليوم أبشر قد أتاك على
قرب حبيب، فلا تشكو من الملل
بدران أظلمت الآفاق بعدهما
في مقلتي، وضاقت بالأسى سبلي
أما فارس الذي تذكره فهو أخ لها توفي قبل حبيب.
وفي رثاء أخيها نصار وقد توفي بمدينة زحلة:
يا ويح قلبي كم سهم أصيب به
فلم يزل بدماه الجفن يختضب
مصائب لست أدري من تكاثرها
فيه على أيها أبكي وأنتحب
يا أرض زحلة، لي في حبها شغف
إذ في حماها شقيق الروح محتجب
أرض لروحي في أكنافها سكن
لذاك قلبي له في حبها أرب •••
يا قلب صبرا على ما قد أصبت به
ولا ترعك البلايا وهي تعتقب
قد عودتك الليالي الحزن من صغر
حتى غدوت إلى الأحزان تنتسب
وهذا المعنى الأخير كررته في مرثاة أختها راحيل:
قد اعتاد قلبي الحزن من صغر سنه
فلم يدر ما طعم المسرة في العمر
فيا ليت كلي ألسن تنظم الرثا
لتعرب عن أحزان قلب بلا صبر
أرى الموت أحلى من حياة حزينة
تمر لياليها أمر من الصبر
لئن جف دمع العين مني هنيهة
ففي القلب دمع سائل أبدا يجري •••
فيا أغصن البان اندبن معي على
غصين تلقته يد البين بالكسر!
ويا زهر فلتذبل، ويا زهر فاغربي
على من كروض الزهر كانت وكالزهر
وفي رثاء والدها:
تكاثرت الأحزان في كبدي الحرى
وزادت دموع البين في عيني الشكرى
وجارت على ضعفي الليالي وأوقدت
بطي فؤادي من نوائبها جمرا •••
فقدت أبي ما لي وللعيش بعده
فموتي من عيشي غدا به أحرى
حياة الحزين القلب موت، وموته
حياة يلاقي عندها الراحة الكبرى •••
أيا علم الشرق المبجل، والذي
أقرت له بالفضل كل الورى طرا •••
ويا من بمسراه تيتمت العلى
كما يتم التأليف والنظم والنثرا
لقد ملت يا ركن العلوم فأوشكت
لفرط الأسى أوراقه تذهب الحبرا
وقد غصت من خمر المنون بسكرة
فها أنا لم أبرح بخمر الأسى سكرى
وفي رثاء أخيها خليل الشاعر:
ألا أيها القلب الحزين، إلى متى
تقاسي خطوب الدهر منقضة تترى
تراكمت الأرزاء من كل جانب
عليك، فلا يوم يمر بلا ذكرى
فهلا براك الله من جنب صخرة
تمر عليك الحادثات فلا تفرى •••
سلام على وجه الخليل، وناره
بطي الحشا قد أفنت القلب والصدرا
على وجهه الضاحي الوسيم الذي له
بقلبي رسم لا يفارقه العمرا
وهكذا نراها تهتدي شيئا فشيئا إلى التعبير البليغ المجرد من التعمل؛ لأن الشعور بالحزن لا يترك مجالا للتطويل، فتقول في رثاء زوجها:
كلما كاد يضمد الجرح ترميني
بجرح مفتت الأكباد
نكبة عند نكبة عند أخرى
كاتصال الأسباب بالأوتاد
وأبى الدهر أن يمن بنظم
غير نظم الرثاء والتعداد
سلبتني المنون إنسان عيني
ورفيقي وعمدتي وعمادي
يا أليفي في شدتي ورخائي
ونصيري في النائبات الشداد
كيف غادرتني بقلب جريح
يتلظى في مثل جمر القتاد؟
كيف أغمضت طرفك اليوم عني
وغدا القلب منك مثل الجماد؟
كل هذا كلام صادق مملوء بالعبرات؛ عبرات من رثت كثيرا من رجالها، وما زال القدر العنيف يرغمها على رثاء البقية الباقية. على أن أجمل مراثيها وأمتنها نظما وأشبعها عاطفة - ولو أن المعاني منها غير جديدة لنا - قيلت في ولدها أمين شمعون، وفي أخيها الشيخ إبراهيم.
تتجرد في مرثاة ولدها أمين شمعون من الخواطر التي ليست هي حزنها مباشرة. فلا تأمل هناك، ولا فلسفة، ولا دروس في حكمة الموت. بل تساؤل كيف تحتمل الحياة وقلبها مع ولدها دفين:
بأي فؤاد بعدك أبتغي السلوى
وأنت فؤادي في التراب له مأوى •••
أرى نار قلبي كل يوم وليلة
تزيد لهيبا كلما زدت في الشكوى
لفقد أميني بل حبيبي ومهجتي
وريحان روحي من غدوت به نشوى
ويمضي قلب الأم في تصور أوصاف الولد التي تجعله في عينها فريدا بين الورى:
لقد كان في عيني أبهى من الدمى
وأعذب في قلبي من المن والسلوى
أديب جميل الخلق والخلق طاهر!
شمائل صاف قلبه طيب النجوى
كصدر القنا، كالنصل، كالغصن في النقا
كزهر الربا، كالبدر، كالرشأ الأحوى
أحن لمرأى تربه كل ساعة
وأهفو لمثواه وما تحته يحوى
أيا قبره هذا العزيز، فلا تدع
هوام البلى تهوي عليه كما تهوى
وحافظ على تلك العظام فإنها
لكنز ثمين ليت قلبي لها مثوى •••
ويا فلذة القلب الجريح الذي مضى
به خاطف الأقدار يستعجل الخطو
برغم فؤادي أن أخط لك الرثا
وأندب ذاك الوجه والمبسم الحلو
يفتت قلبي كل شطر أخطه
فإن يمحه دمعي السخين فلا غرو
أيتها السيدات والأوانس!
أراكن تبكين، وعزيز علي أن أكون سببا في حملكن على البكاء؛ لذلك سأقصر عن تلاوة شيء من مرثاتها لأخيها الأخير.
الآنسة ميليا بدر وكيلة مدرسة الأمريكان للبنات تقف وتقول: هو الإلقاء الذي يبكينا. ولكن لا تحذفي من المحاضرة شيئا! - رغم البكاء، ورغم هذه المناديل المنشورة في أيدي أخواتنا؟ - نعم رغم البكاء!
أصوات: لا بأس من قليل من الحزن والبكاء. - حسن يا سيداتي، وقد صدقتن. لا بأس من البكاء على آلام الغير. ولابد في الشعر من الحزن والدموع؛ فقد قال إدجر آلن بو بعد كثيرين غيره: «إن العبقرية الشعرية حزينة في جوهرها، وإن الطبائع التي تدرك ذلك وتحبه تقرب من تلك العبقرية عند التعاطف في الشجو والكآبة.»
قلت إذن: إن شقيقها الشيخ إبراهيم كان آخر الباقين من إخوتها، فرثته من قلب متقطع لم يبق فيه صبر ومقدرة على الاحتمال، قلب يعرف أنه فقد أخا تجددت بفقده اللوعة على جميع الذين سبقوه، ويعرف كذلك أن الذي فقده صاحب شهرة ذائعة فلا تنس الأخت في الحزن سبب افتخارها:
لم يبق للحزن لي صبر ولا جلد
ولا دموع تفي لي حق من فقدوا
وضاق صدري مما قد تراكم من
حزني ولم يبق لي للاحتمال يد •••
فارقتني يا شقيق الروح مبتعدا
فما حياتي وأنت عني مبتعد؟
يا قائل القول ما زلت به كلم
وصاحب الرأي حقا ليس ينتقد
تسير في إثره الأفهام قاصدة
مواقع الحق حيث الصدق والرشد •••
فضل سيبقى بقاء الدهر متصلا
عليك لا ينقضي أو ينقضي الأبد
أضحى به لا ينال الموت رفعته
حيا أكاد أراه حيث أفتقد
ثم تنسى هذا إذ تتجسم أحزانها في شهيق واحد:
يا صخر، بنت الشريد اليوم منتشر
لها عليك قواف في الهوى شرد
هيهات ما فقدت صخري، ولا نظمت
دمعي، ولا وجدت خنساء ما أجد
بكت وحيدا، وأبكي ستة ذهبوا
لكل محمدة بين الورى وجدوا
توفي الشيخ إبراهيم في مصر، ثم نقلت رفاته إلى بيروت سنة 1913م، فرافقتها الشاعرة الحزينة. وهناك على ضريح العائلة تليت منها أبيات، هذه بعضها:
يا قبر اهنأ بما أوتيت من ظفر
فقد حويت كرام البدو والحضر
حويت من هز ركن العلم مصرعهم
من بعد ما ألبسوه أفخر الحبر •••
يا قبر قد عاد إبراهيم، وا أسفي
يضوي إلى أسرة من أتعس الأسر •••
من لي بخط يراع منه مبتكر
كيما أخط رثاء فيك مبتكر!
وفي حفلة أقيمت لتأبينه في بيروت قالت في قصيدة شكر للمؤبنين:
اليوم ردت مصر ما أخذت ويا
أسفي، فقد ردته في الأكفان
لم ينس عهدكم القديم وقد أتى
كي لا يزال مجاور الأوطان
واشترك السوريون في البرازيل في إقامة تمثال للشيخ إبراهيم؛ فأرسلت قصيدة إلى شكري أفندي الخوري صاحب جريدة «أبي الهول» وصاحب الاقتراح. ومن تلك القصيدة:
أكرم بما جئته يا سيدا عملا
يزين اسمك بين العرب والعجم
دعوت قومي إلى ما ترتئيه لهم
صنعا جميلا وبرهانا لودهم •••
يا سادة جمعتهم نسبة الوطن المح
بوب جمع الثريا غير منفصم
جددتم شخص من نهفو لرؤيته
كأنما هب مبعوثا من الرمم •••
وما مديحي لكم حبر على ورق
بل خط في لوح صدري شكركم بدمي
لا تصدق على هذه الشاعرة تهمة ألحقوها بالنساء؛ وهي أن الرجال يكتبون لهن، بل كانت هي صاحبة أشعارها؛ وأكبر شاهد على ذلك - كما قال لي دولتلو سليمان أفندي البستاني - أنهم كانوا بديا يزعمون أن والدها وأخويها حبيب وخليل ينظمون لها. فماتوا فرثتهم. فقال الناس: ولكن الشيخ إبراهيم حي، فهو ناظم المراثي باسمها. فتوفي الشيخ إبراهيم فرثته بأبيات هي من خير شعرها في الصدق والأمانة.
وعلى ذكر الشيخ إبراهيم أقول: إنهم سيحتفون قريبا بنصب تمثاله في إحدى ساحات بيروت العمومية. على أن شاعرة آل اليازجي لن تحضر ذلك الاحتفال، ولن ترسل فيه دمعة وزفرة ... إن جسدها يرقد تحت ثرى مدينة الإسكندر حيث تثوي على هدير البحر الذي ما فتئ مهمهما في مسامع الأحياء والأموات ...
الفصل الرابع
نثرها
يقول جورج أفندي باز: إنها نشرت بعض المقالات في الصحف والمجلات. وأكبر الظن أنها جمعت كلها في «حديقة الورد»؛ حيث نجد تقريظ مجلة الفردوس وفتاة الشرق وغير ذلك، فضلا عن مراسلتها لعائشة تيمور.
على أن ليس في تلك السطور غير المجاملة والثناء. والرسالة التي عبرت فيها عن رأي اجتماعي نشرت في «الضياء» قبل أن تجمع في «حديقة الورد». ونهتم بهذا الرأي بعد أعوام؛ لأنه يعالج مشكلا من مشاكل وقتنا. ومعلوم أن المشاكل الاجتماعية وغير الاجتماعية لا تحل في يوم وليلة.
بل تقتضي مرور الزمن لتتناولها الأقلام بالتمحيص. ثم يأتي المران بنبذ ما يحسن نبذه، واستبقاء ما هو في مصلحة المجتمع؛ فهي تنتقد المرأة الشرقية لتفرنجها حتى صارت تخجل باستعمال لغتها والسير على عادات وسطها وتهزأ بقومها لتفاخر بأنها أجنبية؛ ظنا منها أن كل الارتقاء في اقتباس قشور المدنية وظواهرها في الأزياء والأساليب وتلك الفوضى في السلوك التي تسميها خطأ باسم الحرية. في حين - تقول السيدة وردة - كان على المرأة الشرقية أن تنظر إلى أختها الغربية من الوجه الآخر؛ فترى اهتمامها بالأمور الجدية، وبراعتها في العلوم والفنون وسائر دوائر النشاط الإنساني، وكيف أن المرأة الغربية - رغم تأنقها - تقوم بواجبها نحو الأسرة والمجتمع واللغة والوطن. وتستحث اليازجية بنات الشرق للرجوع عن ضلالهن وإكبار اللغة العربية - وإن هن تعلمن اللغات الأخرى وأحببنها - وذلك تشبثا بعاطفة الوطنية ورغبة في النفع القومي. ولتجعل نداءها أبقى أثرا تعمد إلى ذكر بعض شهيرات العرب من كواتب وشواعر، وتضرب بهن المثل لتستفز همة بنات العصر وتدفعهن إلى العناية بصالح الأمة.
وهذا النداء الذي سمعنا مثله ولكن بلهجة أخرى من عائشة تيمور، وبعدئذ من باحثة البادية، نصغي إليه اليوم باحترام وشكر وافتخار. نصغي إليه باحترام ؛ لأنه صوت الإخلاص، صوت الغيرة والحماسة، ولأنه جليل نبيل. ونصغي إليه بشكر؛ لأننا إن نحن سرنا اليوم خطوة في طريقنا على بصيرة فبفضل هؤلاء الذين تقدمونا وتركوا لنا صيحاتهم المباركة يتردد بيننا صداها المتزايد بانضمام أصواتنا إلى أصواتهم. ونسمع هذا الهتاف بافتخار؛ لأن نداء الموتى لم يذهب ضياعا، بل نهضت المرأة في مصر، في سوريا، في جميع أنحاء الشرق العربي بمقدار ما يسر لها الوسط والأحوال. نهضت تتطلع إلى الحرية النبيلة وتتعرف حدودها، وتعزز قوميتها ووطنها ولغتها.
نسمع هذا الهتاف بافتخار؛ لأن نفوسنا اتسعت وعمقت فصارت ترى للأدب والشعر دورا ساميا جليلا. مضى وقت التقريظ والمدح والثناء وتنميق الألفاظ. وتناول الأدب جميع مظاهر الحياة القومية في الأخلاق والتهذيب والفن والاجتماع والسياسة، وترويج الدعوة الوطنية للنهوض بالنفوس إلى آفاق العلو والنخوة والشمم والاستقامة. نفهم الأدب اليوم كما يجب أن يفهمه العائشون في هذا العصر، إنه لحافل بعجائب العلم والاكتشاف والاختراع، هذا العصر الذي سخر فيه الإنسان العناصر لخدمته وحاجته. العجائب أصبحت مألوفة لدينا. فأي عجيبة في التليفون، والتلغراف اللاسلكي، والكهربائية، وفي قاطرات الحديد، والسفن والبواخر والطيارات، وأشعة رنتجن التي تنفذ إلى داخل الجسم فترى منه الخبايا والتفاصيل كمن ينظر إلى سطحه! وأي عجيبة في عديد الاكتشافات في الرياضيات والكيماويات، في قياس الأشعة، في تحديد دورة الكواكب، في التخاطب بين القارات، في معجزات الطب والجراحة والهندسة! إن عجائب العلم لا تحصى، وهي في خدمتنا في كل شأن من شئوننا، في حياتنا الفردية والمنزلية، في يقظتنا القومية، في مناهضة المراتب وثورات الأمم.
نحن نعرف أن نعجب بما تركه الذين تقدمونا، ولكن في تحديهم التقهقر لا التقدم. هم قالوا كلمتهم الموافقة لعصرهم. فعلينا أن نقول الكلمة التي توافق عصرنا. وردة اليازجي ترى كل المنفعة من علم المرأة في تربية البنين، ونحن نوافقها على ذلك. وسيوافقها كل جيل حصيف في كل عصر، على أن هذا ألزم واجبات المرأة. وأن أكبر فخرها أن تكون مليكة المنزل وعبدته، وتعزية الرجل، والبطلة الكبيرة في سكوتها وانزوائها، التي تتربى في حضنها الذراري وتتهذب بين يديها الشعوب. ولكن تأثير المرأة ليس مقصورا على هذا؛ لأن الأمومة ليست اختيارية، وقد تكون المرأة أفضل أم وأفضل زوجة فيظل عليها أن تتم أمورا أخرى شتى.
المرأة اليوم تستطيع أن تعمل وتؤثر في جميع الجوانب. تعمل بتذكية العاطفة الوطنية في أبناء الوطن ببث الشهامة والنبل في نفوس رجاله، في تعزيز كيانه المعنوي بالحرص على مصالحه الجزئية، بالسهر على مهود أطفاله، بتكييف النفوس الغضة من فتيانه، بترقية لغته، بنشر فكره، بتمجيد البليغ من أقلامه، بترويج صناعته وفنه ومنسوجاته، بالاقتصاد، وإحكام وضع الأشياء في مكانها. تؤثر بإنعاش روح الوطن، بتقدير تاريخه، بالثقة في مستقبله، بعبادة شاراته وأعلامه!
الشرق ينهض، أيتها السيدات، وهنيئا لمن أدرك كل ما في المسئولية من فخر، وكل ما في العمل من نصر. الشرق ينهض ولو كانت جباه رجاله مثقلة بالأحزان، وجماعات من شبيبته منصرفة إلى اللهو والنسيان! الشرق ينهض، وهنيئا لكل من كان بعمله وقلمه وصوته ذا أثر في تكييف النفوس! وهنيئا لطلاب العلم بالممكنات التي يتمتعون بها ممتازين بذلك عن كل جيل سبقهم؛ لذلك كان ما ينتظر منهم أعظم من كل ما جاء به غيرهم.
علمت أمس الأول أن سيدات بيروت اكتتبن لصورة وردة اليازجي وأهدينها إلى دار الكتب الأهلية في تلك المدينة؛ لترفع صورة الشاعرة بين صور كبار الرجال والعلماء.
هذا في بيروت. وحسبها في تقدير فضلها هنا أن تجتمع اليوم على ذكرها السيدات المصريات وغير المصريات فيحيين من اسمها النفحة الشجية!
وليكن لكن من هذه الذكرى أثر يبقى بعد هذا الاجتماع.
فلتحمله ربات البيوت؛ لأن «وردة العرب» كانت بنتا مباركة، وأختا حصيفة، وزوجة وفية، وأما صالحة! ولتحمله ناظرات المدارس والمعلمات؛ لأن الشاعرة بتعاطيها التدريس وعنايتها بأخوتها وأخواتها في حداثتهم كانت مثالا يحتذى ومثلا تستمد منه التعزية في مهنة التعليم الشاقة النبيلة.
ولتحمله الطالبات اللاتي سيجتزن عما قريب عقبة الامتحان السنوي. فاليازجية كانت تلميذة نشيطة وإن لم يكن لها وسائطهن ، وظلت طول حياتها تطلب العلم وتوصي بالمعرفة والاستنارة. وليقل ذكرها لكل منا إن العمل الصالح الذي تأتيه المرأة يتخطى جيلها ويخدم الأجيال التالية، كما أن حبة القمح في أرض خصبة تضمن تغذية الجماهير في مقتبل العصور.
فلتذكر نساء مصر وردة اليازجي وأخواتها السوريات الناهضات كما تذكر نساء سوريا عائشة تيمور وباحثة البادية وأخواتهما المصريات الناهضات! وليتأثرن بذكرها وفضلها كما تتأثر بنات سوريا بنهضة المرأة المصرية فيتحمسن لها ويفاخرن بها!
وحسبي ابتهاجا - أنا ابنة القطرين - أن أرسم صورة ولو واهية من امرأة شرقية لأخوات شرقيات أحب منهن الوطنية، واهتف مثلهن هتاف الحماسة، وأنشد من قدوتهن التقدم والعرفان وخير الأوطان!
كلمة أخرى
فاتني أن أذكر تحت صورة وردة اليازجي المنشورة في صدر هذه الرسالة أن «الكليشيه» تكرمت بها إدارة «اللطائف المصورة». فلتقبل خالص الشكر على هديتها هذه.
وإذ كنت أصلح «بروفة» الملزمة الأولى فوجئنا بنعي سليم سركيس الذي أوحى إلي هذا البحث، والذي نزيد شعورا بفقده وبالفراغ الذي تركه يوما بعد يوم.
ألا فلتطل روحه على هذه الصفحات من عالم البقاء باسمة لآراء إخوانها وأصدقائها على الأرض، متلقية تحية الوداع ونفحة الأسى التي يسيرها الأحياء نحو الأرواح العزيزة في موكب الذكريات المتحددة.
Page inconnue