Héritiers des royaumes oubliés : religions déclinantes au Moyen-Orient
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
Genres
في الأصل كان أسلاف هؤلاء القرويين ينتمون إلى كنيسة المشرق المسيحية ومقرها بغداد. وبالرغم من أنها لم تكن معروفة في أوروبا، كانت يوما ما واحدة من أعظم الكنائس في العالم؛ وتعهد لها بالولاء خلال العصور الوسطى عشرة بالمائة من جميع المسيحيين في العالم، وكان لبطريركها، المقيم في بغداد، أساقفة وأديرة في مختلف بقاع العالم أكثر من البابا في روما. وجلب مبشروها المسيحية إلى الصين في عام 635 بعد الميلاد، وهي حقيقة مسجلة على ما يسمى باللوح التذكاري النسطوري في شيان. وفي القرن الثالث عشر، كانت الكنيسة المسيحية الوحيدة التي كان يرأسها رجل من أصل شرق آسيوي (كان اسمه ياهبلاها، وكان على الأرجح منغوليا؛ وجاء من بكين إلى بغداد في رحلة حج استثنائية بلغت أربعة آلاف ميل). ولكل من منغوليا والتبت أبجدية تستند إلى الكتابة السريانية التي أدخلها المبشرون المسيحيون العراقيون منذ أكثر من ألف عام.
تطورت كنيسة المشرق بين المسيحيين الذين يعيشون في ظل الإمبراطورية الفارسية، الذين وجدوا أن خلافاتهم الأيديولوجية مع المسيحيين الغربيين تحميهم بشكل مفيد من الشك في أنهم قد يكونون متحالفين سرا مع منافسيهم من البيزنطيين. وكان يطلق على أعضائها أحيانا اسم النسطوريين، وهو الاسم الذي ينسبهم إلى نسطوريوس، الذي رفض فكرة أن يقول المسيحي في يوم الجمعة العظيمة إن «الرب قد مات». وأراد أن يميز بين يسوع الإله ويسوع الإنسان. لم تتبن كنيسة المشرق تعاليم نسطوريوس أبدا، لكنها رفضت استخدام الأيقونات وقللت من أهمية دور مريم العذراء. وأطلق عليهم المبشرون البريطانيون اسم «بروتستانت الشرق الأوسط»، واختاروا تجاهل عبادة القديسين غير البروتستانتية وممارسة الرهبنة.
واليوم، هذه الكنيسة أضعف بكثير مما كانت عليه من قبل. يرجع هذا إلى حد كبير إلى تيمورلنك ، الذي نهب بغداد عام 1401 وترك تسعين ألف جمجمة على أنقاضها. فقد كان معاديا للمسيحيين بشكل خاص، وعلى ما يبدو أنه من زمنه فصاعدا، تشبثت كنيسة المشرق بالبقاء بجبال شمال العراق، وشمال شرق سوريا، وجنوب تركيا. وفي ثلاثينيات القرن التاسع عشر، واجه أعضاؤها تهديدا مشابها عندما قتلت ميليشيا مرسلة من زعيم كردي قريب، ربما بناء على طلب من الحكومة العثمانية في إسطنبول، عشرين ألفا من الرجال، والنساء، والأطفال المسيحيين. وتعرضت كنيسة المشرق - التي يطلق عليها أحيانا اسم الكنيسة الآشورية - لعدد من الانقسامات على مر القرون، ثار بعضها بسبب الخلافات حول قيادة الكنيسة التي غالبا ما كانت تنتقل تاريخيا من الأب إلى الابن، مما كان يتسبب في خيبة أمل المطالبين المحتملين الآخرين بالقيادة. وغالبا ما تتعهد المجموعة المنشقة بالولاء للبابا في روما، الذي أنشأ في النهاية الكنيسة «الكلدانية» البابوية لهم التي اعترفت بها روما لكنها حافظت على طقوسها وعاداتها المميزة. ونتيجة لذلك، يوجد اليوم مسيحيون «آشوريون» و«كلدانيون»، بالإضافة إلى عدد قليل من المسيحيين من طوائف أخرى.
بعد المتجر الكبير، ذهبت إلى كنيسة قريبة؛ مبنى مسبق الصنع يقع بعيدا عن الطريق، وتحيط به السيارات الواقفة. بالخارج، كانت تحيط بها إحدى ضواحي أمريكا (منطقة ليس بها أي أثر للانحلال الحضري الذي أفسد مدينة ديترويت؛ فالمنطقة الحضرية في ديترويت أكبر بكثير من المدينة وأكثر ازدهارا). لكن بمجرد دخولي، شعرت كأنني عدت إلى العراق. كانت توجد ملصقات باللغة العربية على صناديق التبرعات. وكان صوت ذكوري عميق يردد باللغة الآرامية القداس الكلداني الذي يعود تاريخه إلى القرن الخامس الميلادي وهو أقدم صلاة مسيحية لا تزال شائعة. تلا الكاهن: «كاديشا، كاديشا، كاديشا»؛ أي مقدس، مقدس، مقدس. كانت كتب الطبخ الكلدانية معروضة للبيع في مكتبة صغيرة في الخلف، وزين المذبح المبني على الطراز الكاثوليكي برقائق الذهب وباقات الفاكهة الاصطناعية. يظهر ملصق باللونين الأبيض والأسود بجانب باب الكنيسة صورة لمار أداي شير، الذي سميت الكنيسة على اسمه. و«مار» تعني بالآرامية الرجل المقدس، وكان أداي شير أسقفا كلدانيا أعدمه الجنود الأتراك في عام 1915. إلى جانب وفاة أكثر من مليون من الأرمن في تلك السنة الرهيبة، قتل أيضا مئات الآلاف من الكلدانيين والآشوريين، وهرب عدد أكبر إلى العراق. وفي ماردين، التي أصبحت الآن منتجعا رائعا لقضاء العطلات بالقرب من الحدود الجنوبية لتركيا، توجد منازل تحمل أسماء أصحابها السابقين الذين قتلوا أو طردوا، منحوتة فوق الباب.
بعد عام 2003 جاء دور مسيحيي العراق في الفرار، هذه المرة إلى الغرب. وحتى أواخر التسعينيات كان لا يزال يعيش 1,4 مليون مسيحي في العراق. والآن البلد غير مستقر بما يسمح بإجراء مسح استقصائي، ولكن ربما لم يتبق سوى ثلث هذا العدد، أو حتى أقل. وهذه الموجة الهائلة من الهجرة ليست فقط بسبب الأخطار التي يواجهها المسيحيون هناك، ولكن أيضا بسبب إمكانيات بناء حياة أفضل في مكان آخر؛ وربما الأهم من ذلك كله، على حد تعبير أحد المسيحيين العراقيين، هو الشعور بأنه لم يعد مرغوبا فيك في العراق.
كانت مدرستي للغة العربية في بغداد، التي كان اسمها نادية، مسيحية كانت لغتها الأولى هي الآرامية. أخبرتني في عام 2006 أنها كانت تخاف في كل مرة تخرج من منزلها. لم تعرف أبدا ما إذا كان من المحتمل أن يراها الخاطفون هدفا مهما، أو ما إذا كانت الأسرة التي تعيش في الجانب الآخر من الشارع والتي بدا أنها تقف في نافذتها طوال اليوم تراقب تحركات الناس ربما تنقل المعلومات إلى الإرهابيين. (وقالت إن جيران الأسرة المسلمين كانوا، على العكس، ودودين وداعمين لهم.) وكان ثمة دوما خطر التواجد بالقرب من انفجار قنبلة معدة للآخرين. وكان الذهاب إلى الكنيسة خطرا بشكل خاص. فعندما كانت تعود إلى المنزل في المساء، على حد قولها، لم يكن لديها ولا والديها الطاقة لتبادل أي حديث. وكانوا يأكلون في صمت ويذهبون إلى الفراش خائفين من اليوم التالي. غادرت نادية البلاد عام 2007. وظل والداها هناك عاما آخر ثم انتقلا شمالا إلى كردستان. لم يكونا يعرفان اللغة الكردية واضطرا إلى قبول رواتب ومستويات معيشة أقل، لكن على الأقل كانا آمنين هناك. وكانت تجربة نادية، التي وصلت إلى ديترويت، أفضل. قابلت رافي في الكنيسة التي كانت قد بدأت في ارتيادها. كان كل منهما يعرف الآخر عندما كانا طفلين في العراق، ولكنهما لم يكونا قد التقيا منذ سنوات؛ لأن رافي كان قد هاجر قبل الحرب. وفي حفل زفافهما، كان الكاهن هو نفسه الذي كان يترأس القداس في كنيستهم المحلية في بغداد. فقد انتقل هو الآخر إلى ديترويت. كان الأمر كما لو أن مجتمعا بأكمله قد انتقل وزرع في النصف الآخر من العالم.
يعيش البطريرك مار دنخا الرابع، رئيس المسيحيين الآشوريين، في شيكاغو. ويفوق عدد المتحدثين باللغة الآرامية في ديترويت الكبرى عددهم في بغداد؛ حيث يعيش أكثر من مائة ألف من الكلدانيين العراقيين في المدينة والمناطق المحيطة، وقد أنشئوا تسع كنائس، ومطاعم، وصحيفة تسمى «كالدين نيوز»، ومحطة إذاعة، ومهرجانا سنويا، وناديا بملايين الدولارات (للأغنياء منهم، وهو ما يعني عموما الذين استقروا منذ مدة طويلة). لكن للأسف، لم يجلبوا معهم الجمال العراقي، والمنازل الجميلة، وأضرحة القرى الواقعة على التلال التي كان الكلدانيون يعيشون فيها عادة. عندما سافرت بالحافلة في أنحاء شمال العراق في عام 2012، بدا أن كل قرية كان بها دير أو قبر قديس، أو قلعة مدمرة مرتبطة بطريقة ما بالتاريخ الطويل للطائفة. وهذا شيء لا يستطيع المهاجرون إعادة إنشائه في بلدهم الجديد. ففي مدينة ديترويت الكبرى، لا يوجد إلا القليل مما يميز المنازل بعضها عن بعض في صفوف منازل الضواحي المعاصرة، المصممة بالكامل على الطراز الأمريكي. لكن الأقباط المصريين، والكلدانيين العراقيين، والشيعة اللبنانيين، والسنة السوريين الذين يعيشون هنا وفي البلدات المجاورة يحافظون على ثقافاتهم الوطنية بصرامة داخل بيوتهم.
يتفق شرق أوسطيون آخرون على أن الكلدانيين هم من أكثر المهاجرين تحفظا. فنسبة الحضور إلى الكنيسة مرتفعة ورسم كاهنان جديدان مؤخرا. ومن المؤكد أن جريدة الطائفة، «كالدين نيوز»، لا تشير كثيرا إلى حركات الشباب المتمرد. واعتقدت أنها قد تفعل ذلك عندما بدأت قراءة مراجعة مسرحية تعرض في مركز ثقافي مجتمعي؛ وهي مسرحية بطلها رجل يحاول مقاومة ضغط والديه للزواج. وربما تعتقد أنها كانت مراجعة حادة للقيم المتغيرة ولطائفة تتعامل بمهارة مع العلمانية والحداثة. ولكن على النقيض، كانت نهاية المسرحية سعيدة، حسبما ذكرت الصحيفة؛ حيث يجد البطل امرأة كلدانية لطيفة ويتزوجها.
كانت المسرحية تعكس واقع الحياة. ففي أمريكا كلها، وفقا لكتاب صدر عام 2013 من تأليف ناعومي شايفر رايلي، يبلغ معدل الزواج بين أشخاص من أديان مختلفة اثنين وأربعين بالمائة، ويهتم الآباء بالآراء السياسية لأصهارهم وكنائنهم المحتملين أكثر مما يهتمون بهويتهم الدينية. لا ينطبق ذلك على الطوائف المنتمية إلى الشرق الأوسط، حيث لا تزال الزيجات من خارج الديانة نادرة للغاية. ويزعم الآشوريون في شيكاغو أن عشرة بالمائة فقط من طائفتهم يتزوجون من خارج الطائفة. وتتمادى بعض العائلات في التحكم في خيارات زيجات أبنائها؛ حيث قابلت امرأة مسيحية عراقية في حفل عشاء في آن أربور، بالقرب من ديترويت، أخبرتني أنها هربت من البيت، حيث لم يكن لديها حرية مقابلة الرجال. سألتها: «هل كنت في سن المراهقة؟» قالت لي: «لا، كنت في السادسة والعشرين.»
وعلى الرغم من أن الكلدانيين والآشوريين لا يعتبرون أنفسهم عربا، فإن تاريخهم شديد الشبه بتاريخ طوائف الشرق الأوسط الأخرى، المسلمة والمسيحية على حد سواء. وبدأت الهجرة الواسعة النطاق من الشرق الأوسط في أواخر القرن التاسع عشر، بدافع الفقر المتزايد ونقص الأراضي في لبنان وفلسطين، فضلا عن القمع والصراع العثماني. كان معظم المهاجرين من المسيحيين، وكانت أمريكا اللاتينية وجهتهم المفضلة؛ لأنها كانت تشجع الهجرة وتوفر الكثير من الفرص الاقتصادية. ونتيجة لذلك، اجتذبت نصيب الأسد من المهاجرين العرب المسيحيين، محققة بعض النتائج المذهلة؛ فاليوم، على سبيل المثال، خمسة بالمائة من سكان أمريكا اللاتينية من أصول عربية، وعدد المسيحيين من أصل فلسطيني في تشيلي أكثر من عددهم في فلسطين، وينحدر ثمانية رؤساء لدول أمريكا الجنوبية والوسطى من أصول شرق أوسطية؛ وأغنى رجل في العالم (كارلوس سليم الحلو، رجل أعمال)، وواحدة من أشهر مطربيها (شاكيرا )، والممثلة سلمى حايك، جميعهم لهم أصول لبنانية. تنافس في الانتخابات الرئاسية لعام 2004 في السلفادور سياسيان، أحدهما من اليسار المتطرف والآخر من اليمين؛ وكانت عائلة كليهما فلسطينية مسيحية من البلدة الصغيرة ذاتها بالقرب من بيت لحم.
Page inconnue