Héritiers des royaumes oubliés : religions déclinantes au Moyen-Orient
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
Genres
لكن سكان وادي النيل كانوا محاطين برمال أكثر جفافا بمائة مرة من الصحراء العراقية؛ صحراء جافة جدا لدرجة أنه اكتشفت قطع من الورق مدفونة فيها منذ ألفي عام ولا تزال الكتابة عليها واضحة. دفن قدماء المصريين موتاهم في هذه الرمال، وحتى من دون العملية التي ابتكرت لاحقا المتمثلة في إزالة أعضاء الجسم وحشو الجثة بملح النطرون للحفاظ عليها، غالبا ما كانت الجثث تحنط بشكل طبيعي بسبب جفاف الرمال والحرارة. وعند اكتشافها بعد سنوات عديدة، كان لا يزال من الممكن التعرف عليها. ومن الممكن تخيل الروح (كا) وهي تدخل فيها مرة أخرى وتعيدها إلى الحياة. يقول نقش مصري من القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد: «لينهض الذين في قبورهم؛ فليفكوا أربطتهم. انفضوا الرمال من على وجوهكم» (وهنا يبدو أنه يخاطب الموتى أنفسهم)، «اتكئوا على جانبكم الأيمن، وانهضوا بجانبكم الأيسر.»
لو عاد الفراعنة بالفعل إلى الحياة اليوم، ونهضوا من توابيتهم المذهبة، فسيجدون أن بلادهم قد تغيرت تغيرا يستحيل معه التعرف عليها. فقط في الريف يمكنهم رؤية مشاهد مألوفة؛ حيث تغتسل العائلات في نهر النيل وتغسل أوانيها، وتوجد أشجار النخيل الخضراء وأكوام القمح المدروس التي تتخلل الحقول ، ويتجول الجاموس بجانب الجداول. وبخلاف ذلك سيندهشون من الأدخنة الخانقة والمباني السكنية المكتظة بالقاهرة، التي تعد الآن إحدى أكبر مدن العالم، ومن زيادة عدد السكان في مصر الآن، أكثر عشرين مرة مما كانوا عليه في العصور القديمة، ومن حقيقة أن الأمة، التي كانت يوما ما سلة غلال الإمبراطورية الرومانية، تستورد الآن أربعين بالمائة من طعامها. وسيكتشفون أن ديانتهم المتمثلة في آلهة برءوس حيوانات، التي كانت يوما ما تسيطر بقوة على المجتمع المصري، قد اختفت.
أو ربما لم تختف تماما، كما اتضح بعد ذلك. كان لدي موعد في فندق بالقرب من ميدان التحرير مع زوجين أطلقا على نفسيهما اسم أوزوريتس؛ وهما مصريان معاصران يعبدان الإله المصري القديم أوزوريس. بدا الزوج، حمدي (اسم مستعار)، مثل تمثال الكاتب المصري القديم، سمين ومرح. قدمت على مائدتنا زجاجات بيرة سقارة، التي سميت على اسم أقدم أهرامات. وراء الأرائك ذات القماش القطني المنقوش والنوافذ الزجاجية، كان نهر النيل يتدفق، خالدا بلونه البني. وفقا للأسطورة المصرية، فقد طاف أوزوريس، إله العالم السفلي، مع مجرى النهر في نعش بعدما خدعه أخوه الشرير ست. وأنقذته أخته إيزيس، لكن ست وجده مرة أخرى وقطعه إلى أشلاء. عثرت إيزيس على كل القطع باستثناء قضيب أخيها الذي أعادت بناءه له من الذهب. ثم أحيته بطريقة سحرية. وأصبح إله البعث، وكان يعتقد أنه يتحكم في انحسار وفيضان النيل، وهما رمزان للموت والبعث.
أخبرني الزوجان أن أوزوريس، وإيزيس، وست - وآلهة مصرية أخرى مثل آمون - كانوا مجرد إله واحد. وأضافا أنه كان من الخطأ الحديث عن قدماء المصريين بوصفهم مشركين أو «كفارا»، كما فعل بعض المسلمين. فقد قدموا للعالم معظم أفكاره الدينية المعاصرة، بما في ذلك كلمة «آمين».
أوضح حمدي: «عندما يقول الآخرون: «آمين»، أقول: «آمون»!»
وأضافت زوجته: «نحن من اخترعنا يوم الراحة المقدس. وكتب الفرعون أخناتون مزامير داود. انظر إلى الترانيم التي كتبها لآتون، وسترى أنها هي نفسها المزامير.»
وأخبرتني عن عيد مصري حديث يمكن أن يعود مصدره إلى عيد قديم. فقبل ألفي عام كان يشار إليه باسم «قدوم أوزوريس إلى القمر»؛ ويسمى الآن شم النسيم، لكنهم ما زالوا يحتفلون به في الاعتدال الربيعي. «يتمتع هذا اليوم بقداسة خاصة. إنه اليوم الوحيد الذي يتوقف فيه كل شيء.» لا يوجد أي عيد آخر في مصر الحديثة يحتفل به المسيحيون والمسلمون. «يأكل الناس الأشياء الخضراء، والأسماك والخس، ويجلسون على العشب، ويلونون البيض الذي يأكلونه.» (يوجد طعام هو اختصاص مصري يأكلونه في شم النسيم، وهو الفسيخ، وهو نوع من الأسماك المحفوظة يقول الأكاديميون إن تاريخه يعود إلى آلاف السنين. لقد تذوقته مرة ووجدته لاذعا بشكل صادم. لكن بعض المصريين يحبونه.) وأصرت على أن هذا العيد المصري القديم كان أصل عيد الفصح.
وبفخر قومي عميق، سردت العادات والأفكار الدينية العديدة والمنتشرة التي نشأت في مصر القديمة: عادات الحج والصلاة، والصوم، ومفهوم المسيا، وأشجار عيد الميلاد، وتسمية عيد الميلاد، وإضاءة الشموع في الكنائس، والمزيد. قال حمدي: «إن العلم المصري عمره أربعة عشر ألف سنة. ودائما ما كانت تمثل ألوانه الأحمر، والأبيض، والأسود، الفخر الوطني. والنسر في وسطه هو رمز لحورس.» استطعت أن أرى أن هذين الزوجين، أيضا، كانا يبحثان عن هوية من شأنها أن تكون ملكا لجميع المصريين. ومع أنني وجدت صعوبة في تخيل أنه سيكون هناك العديد من الأشخاص الذين سينضمون إليهما في عبادة أوزوريس، فقد صرحا بكل جرأة في نهاية حديثنا بأن: «الديانة المصرية ستعود!» بعد عام، عندما كان الإخوان المسلمون يحكمون مصر، قابلت هذين الزوجين مرة أخرى، لكنهما تحدثا بشكل مختلف وأكثر حذرا. وقالا إنهما كانا مهتمين بثقافة مصر القديمة، وليس بالدين.
ومع ذلك، كانا محقين في أن المصريين القدماء كان لهم تأثير على الأديان اللاحقة. ولم يقتصر الأمر على أن المصريين كانوا أول من آمن ببعث الجسد، ولكن الفرعون أخناتون، والد توت عنخ آمون، كان أول موحد معروف في التاريخ. وألغى جميع الآلهة باستثناء محبوبه آتون، إله الشمس، وبنى تماثيل مخنثة ترمز إلى اتحاد الذكر والأنثى . وعثر على ترنيمة لآتون، ربما كتبها الفرعون نفسه: «تسطع الأرض عندما ترتفع في الأفق الشرقي وتتألق في هيئة آتون في وقت النهار، يا لتنوع أعمالك! إنها محجوبة عن أعين الناس، أيها الرب الواحد، لا يوجد لك مثيل!» يتشارك اليهود الذين عاشوا في مصر في بعض عاداتهم مع الفراعنة؛ فقد تجنب اليهود والمصريون أكل لحم الخنزير وسمك السلور، واشتركا في ممارسة عادة ختان الذكور. ومقارنة بعدد التقاليد القديمة التي لاحظت بقاءها واستمرارها في العراق، لم يستمر سوى القليل في مصر. فلم يكن في البلاد طوائف مثل المندائيين أو الزرادشتيين التي حافظت على بقاء تقاليد ما قبل المسيحية إلى العصر الحديث. والعادات الشعبية في مصر، على الرغم من تعددها وتنوعها، هي في الغالب من العصور الوسطى. ولم أعثر إلا على ثلاث عادات فقط تعود إلى العصور الفرعونية.
إحداها هي العادة التي يميز بها المصريون الموت. ففي مقبرة في القاهرة تعود إلى القرون الوسطى، تجمعت مجموعة من المساكن المصغرة في صف صامت على طول الطرق الترابية المستقيمة الفارغة بالقرب من الجامع الأزهر. وعلى الرغم من أن هذه المساكن يسكنها في الواقع في معظم أوقات العام واضعو اليد، فإنها مبنية فوق القبور وموجودة لممارسة عادة مصرية خاصة: فبعد أربعين يوما من وفاة أحد الأقارب، وفي كل ذكرى سنوية للوفاة، يتجمع العديد من العائلات المصرية في هذه المساكن الصغيرة لتناول وجبة هناك. وقد جاء أسلافهم، بالطريقة ذاتها، ليأكلوا بالقرب من قبور أحبائهم، ويقدموا الطعام لأرواحهم. أخبرني طبيب قابلته كيف استمرت في جنوب مصر العادة القديمة المتمثلة في استئجار الندابات في الجنازات، وأنه لمدة أسبوع بعد الوفاة، تئوي الأسرة الثكلى الزوار وتطعمهم. وقد صادف الطبيب نفسه مرة ندابات ارتجلن هتافات أثناء إجرائه عملية جراحية. ووقفن، يرتدين في الغالب زي الحداد الأسود، حول طاولة العمليات وارتجلن لحنا حزينا لهذه المناسبة؛ وذلك لأنهن كن يرفضهن قبول إمكانية بقاء المريضة على قيد الحياة. «آه، أيتها المرأة المسكينة التي قطع لحمك وأنت ما زلت على قيد الحياة!»
Page inconnue