Héritiers des royaumes oubliés : religions déclinantes au Moyen-Orient
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
Genres
عندما دخلنا غرفة مكتبه، فهمت ما كانت تعنيه. فقد تناثرت الكتب وقصاصات من الصحف على مكاتبه المتعددة؛ وعلقت على الحائط صور لعثمانيين من القرن الثامن عشر وبندقية قديمة مزخرفة. أخبرنا أنه قد اكتشف متجرا للتحف في إسطنبول أعجبه بشدة. فكرت في أن هذا الرجل سيشاركني بالتأكيد في حماسي لتتبع أصول قومه والكشف عن روابطهم باليونان القديمة. لكن عندما سألته عن الديانة الدرزية، أعطاني إجابة غير متوقعة. «لا أعرف شيئا عن الدروز»، هكذا صرح الزعيم الأبرز للدروز ملوحا بعنف بذراعه. ومن بين أكوام الكتب التي لديه، اختار كتابين من تأليف طارق علي وأعطاني إياهما هدية. ودعاني لزيارته في قصره في الجبال. ثم ودعنا. إما أن أقوى رجل درزي في لبنان، وهو رجل مثقف بحكم مناصبه ومؤهلاته، كان قد استبعد من تعاليم دينه، أو أنه كان حكيما بما يكفي لتجنب نقلها إلى شخص غريب. كانت لدي نية صادقة لقبول دعوته لقضاء بعض الوقت بين المجتمعات الدرزية، لكن كان علي أولا أن أعثر على شخص أكثر استعدادا للحديث معي.
لحسن الحظ، وافق على المساعدة رجل درزي يدعى ربيعة، كان يعرف السفيرة وكان حريصا على مساعدتنا في فهم مجتمعه. أخبرنا أن المشكلة الوحيدة هي أنه هو شخصيا لم يكن يعرف الكثير عنه. لم يكن متفردا في ذلك. فالدروز العاديون يعيشون أساسا على النحو الذي يختارونه، بشرط أن يساعدوا في الدفاع عن المجتمع، والحفاظ عليه، والزواج ضمن نطاقه. لكن لا يسمح لهم بمعرفة تعاليم دينهم. وهذا هو السبب في أنهم يعرفون باسم «الجهال». فعلى الرغم من قوة جنبلاط وثروته، كان في يوم من الأيام واحدا من «الجهال». ولا يعرف تعاليم الدين بالكامل إلا المنضمون للطائفة الدينية؛ الذين يعرفون أيضا باسم الشيوخ أو «العقال»، والذين يكرسون أنفسهم لحياة التأمل والفقر. وأوضح ربيعة أنه لهذا السبب كان قد رتب لنا زيارة لدار الطائفة، المقر الإداري للديانة الدرزية في لبنان. كانت رحلة قصيرة عبر شوارع بيروت المزدحمة.
عندما وصلنا إلى هذا المكان المقترن بالغموض، وجدت أنه مبنى متواضع مكون من طابقين في منطقة درزية محصورة غرب بيروت تسمى فردان. داخل المبنى، كان رجال، يرتدون عباءات سوداء، وسراويل سوداء فضفاضة، وطرابيش طويلة بدون حافات ملفوفة بقماش أبيض - الزي التقليدي لشيوخ الدروز - يسيرون في الأروقة. ومن حين لآخر، كنت أرى نساء أيضا، يغطين شعرهن ونصف وجوههن بقماش أبيض. هؤلاء كن شيخات (حيث تسمى أنثى الشيخ شيخة).
كان لدينا موعد مع شخصية تسمى شيخ العقل. كان هذا الرجل هو الرئيس الرسمي لرجال الدين الدروز. تلقيت مسبقا تحذيرا بألا أستغرق أكثر من اللازم من وقته؛ فقد كان معروفا بكونه مشغولا وحاد الطباع إلى حد ما. لذا دخلت مكتبه شاعرا ببعض الذعر، برفقة ربيعة والسفيرة. سألته عن العلاقة بين الدروز والإسلام، فأظهر أنه على دراية بالقضايا الإسلامية، مقتبسا في كثير من الأحيان من القرآن، حرصا منه على إثبات أن الدروز مسلمون تقليديون. «نحن نعلم الحاجة إلى الأعمال الصالحة. ونتجنب كل شيء ممنوع في الدين والقانون الدولي. ونحترم الآخرين. ديننا الإسلام. وطائفتنا هي الموحدون. ولقبنا هو الدروز.»
لم يعتذر على عدم إخباري بالمزيد. وقال: «الأمر يتعلق بالخصوصية وليس السرية. ألا تتمتع المرأة بالخصوصية في بيتها؟ نحن نطلب الخصوصية ذاتها لمعتقداتنا.» وكانت طريقته قد أرهبتني ودفعتني إلى الصمت. لكن ربيعة لم يرض بأن يدع الأمر هكذا. لذا تحدث من الخلف. قال: «حدثنا عن «التقمص» يا فضيلة الشيخ. ما أساس إيماننا به؟» حدق فيه الشيخ بغضب وأجابه بسرعة بسؤال آخر بطريقة مدرس يحاول كبح تلميذ وقح. هل فهم ربيعة معنى «التقمص»؟ إذا كان الجواب بالنفي، فما الذي كان يفعله بطرح السؤال؟ كانت الرسالة المستقاة من نبرة صوته واضحة بما فيه الكفاية: كان ربيعة ينتهك خصوصية عقيدته.
كان «التقمص» كلمة جديدة على أذني. بدت مثل الكلمة العربية «قميص». لماذا لم يرغب الشيخ في الحديث عنه؟ أوضح ربيعة ونحن نمضي مغادرين بالسيارة أن «التقمص» يعني «تناسخ الأرواح». إنها فكرة إمكانية تغيير الأشخاص لأجسادهم كما يغيرون القمصان؛ فالجسد مجرد عباءة للروح. فهمت لماذا لم يعجب الشيخ بالسؤال. فمعظم المسلمين لا يعتبرون تناسخ الأرواح من المعتقدات التقليدية. ومع ذلك، فسر هذا اهتمام الدروز بفيثاغورس. فقد اشتهر بإيمانه بتناسخ الأرواح؛ ففي مرة منع رجلا من ضرب كلب، قائلا إنه تعرف في عوائه على صوت صديق ميت. للسبب ذاته، كان الفيثاغوريون غالبا نباتيين. ولذلك يبرز السؤال التالي: ما مدى عمق تبجيل الدروز للفلاسفة الإغريق؟
كنت آمل أن أكتشف المزيد من اجتماعي التالي، الذي عقد في مكان أفخم من الاجتماعات السابقة. كانت القلعة تقع على تل بجنوب بيروت. عند أبوابها قابلتنا مجموعة منشغلة من الخدم. واصطحبونا إلى غرفة استقبال كان فيها الأمير طلال أرسلان، وهو رجل ضخم ومرح في أوائل منتصف العمر، جالسا تحت صورة والده، الذي بدا أكثر مرحا من الابن، والذي يظهر في الصورة وهو يدخن النرجيلة. أكد الأمير - وهو لقب حصل عليه بسبب انحداره من ملوك العرب في فترة ما قبل الإسلام - ما عرفته عن «التقمص». قال: «نحن لا نؤمن بالموت على الإطلاق». فلم يكن الدروز يولون القبور أي اهتمام؛ فالروح تسكن الجسد فقط باعتباره غلافا مؤقتا لها، وتولد من جديد إلى الأبد. لم يكن من المعتاد البكاء في الجنازات. و«القبور» القليلة التي قدسها الدروز كانت في الواقع أضرحة فارغة. وأوضح الأمير أنه «توجد ثلاثة أمور مهمة في معتقداتنا. تناسخ الأرواح، واحترام جميع الأديان السماوية، والإيمان بالعقل الكوني».
لكن عندما ألححت عليه ليقول المزيد، كانت الإجابات التي تلقيتها غامضة. أخبرني رجل أحمر الشعر كان جالسا إلى جانب الأمير أن الديانة الدرزية ديانة روحانية أكثر من كونها شعائرية. وقال آخر من تابعي الأمير إنها فلسفية أكثر من كونها دينية. وأضاف بازدراء: «ليس كل الشيوخ يفهمون الفلسفة. فقلة منهم سيفهمون الأفلاطونية المحدثة للشيخ أبي عارف حلاوي.» كان حلاوي وليا درزيا اشتهر بزهده، وتوفي عام 2003 عن عمر ناهز المائة؛ وتعلق قصائده الدينية الموجهة إلى «خالق الكون» في البيوت الدرزية. ولكن ما معنى أن نقول إنه كان أفلاطونيا محدثا؟ وما هو العقل الكوني؟ •••
تظهر لوحة لرافائيل جميع فلاسفة اليونان القديمة في مشهد خيالي، حيث يقف أرسطو وأفلاطون جنبا إلى جنب في وسطهم جميعا. ويشير أرسطو إلى الأسفل نحو الأرض وأفلاطون إلى الأعلى نحو السماء. تلخص الصورة بدقة الفرق بين مدرستين فكريتين. فقد ركزت فلسفة أرسطو على العالم المادي: وتشتق الكلمة الحديثة «فيزياء» من عنوان أحد كتبه. بينما رأى أفلاطون العالم المادي مجرد ظل لعالم الأفكار. وكانت وجهة نظره مؤثرة للغاية عند الكتاب الذين أعادوا تشكيل الفلسفة الإغريقية في القرون الأولى بعد الميلاد، والذين أطلق عليهم العلماء المعاصرون تسمية الأفلاطونيين المحدثين ومن أبرزهم كاتب من القرن الثالث يدعى أفلوطين. كان أفلوطين وتابعاه يامبليخوس وفرفوريوس الصوري من الشرق الأوسط (إذ ولدوا في دلتا مصر، وبلدة سورية بالقرب من حلب، ومدينة صور اللبنانية، على الترتيب)؛ وهذا دليل على أن الفلسفة اليونانية كانت بالفعل قد صارت جزءا لا يتجزأ من ثقافة البحر الأبيض المتوسط أو حتى الشرق الأوسط. وحاول هؤلاء الثلاثة، جنبا إلى جنب مع كتاب آخرين أقل تأثيرا من نفس المرحلة، تكوين توليفة من الفلسفة اليونانية من شأنها تسوية أي خلافات بين مختلف مدارس الفكر اليوناني.
عندما أغلق عيني وأفكر، أشعر كما لو أنني أستطيع التفكير في المفاهيم المجردة - على سبيل المثال، الأرقام أو الأفكار مثل الحب أو الحقيقة - تتسم بالمثالية والثبات، على عكس الأشياء التي أقابلها في العالم المادي. شبه أفلاطون العالم المادي بالظلال التي ترفرف على جدار أحد الكهوف؛ فلن يلمح العقل الحقائق التي يمثل العالم المادي مجرد ظل لها إلا إذا أصبح أكثر انعزالا وانفصالا عن المؤثرات الخارجية وركز على عالم الأفكار. لقد كان الجزء المفكر من الشخص، وليس الجسد، هو ما كان أفلاطون يعتقد أنه قد ينجو من الموت. ومع ذلك، فمن الواضح أن هذا العالم الروحي أو الفكري لديه القدرة على التأثير في العالم المادي. فمن خلال التفكير، يمكنني اتخاذ قرار بشأن ما يتعين فعله؛ ثم أحرك ذراعي لتنفيذ قراري. لذلك اقترح الأفلاطونيون المحدثون أن الروح أو العقل يمكن أن يعملا على المستوى المادي وكذلك الفكري. ووضعوا فرضيات حول التسلسل الهرمي لمستويات الوجود، وكيانات مثل العقل الذي يمكن أن ينتقل من شخص إلى آخر. وعلى قمة هذا التسلسل الهرمي كان «الواحد».
Page inconnue