Héritiers des royaumes oubliés : religions déclinantes au Moyen-Orient
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
Genres
وسواء كان الإيرانيون قد اعتنقوا الإسلام بسرعة أو ببطء، فمن الواضح أنهم لم يقبلوا بسهولة أن يحكمهم العرب. ففي البلدان الواقعة غربا، بدل الغزو العربي الثقافة الكاملة للشعوب المهزومة، التي بدأت شعوب كثيرة منها في نهاية المطاف تطلق على أنفسها لقب «عرب» ونسيت هوياتها ولغاتها السابقة. ومن المرجح أن يكون قد ساعد في ذلك أن الشعوب المهزومة كانت أيضا شعوبا سامية، تتحدث لغات تشبه العربية، ناهيك عن أن أفرادها كانوا بالفعل رعايا للإمبراطورية البيزنطية، ومع الفتح العربي، كانوا فقط يستبدلون مجموعة من الحكام بأخرى.
كانت فارس مختلفة. وكان الشعب الإمبراطوري حينئذ خاضعا. ويعطينا الشاعر العربي الجعدي صورة مؤثرة عن أقدارهم التي تبدلت: «يا أيها الناس، هل ترون إلى ... فارس بادت وخدها رغما؟ أمسوا عبيدا يرعون شاءكم ... كأنما كان ملكهم حلما.» وكانت أسوأ إهانة يمكن أن يرمي بها الكهنة الزرادشتيون شخصا ترك دينه وصار مسلما هي أنه «لم يعد إيرانيا». والعرب بدورهم نظروا إلى الزرادشتية بريبة، وكثيرا ما أدانوها بأنها عبادة للنار وترددوا في منح أتباعها المستوى ذاته من التسامح الذي منحوه للمسيحيين واليهود.
وكما حذر أحد الحكام العرب الأوائل في إيران إخوانه المسلمين بعد الفتح بوقت قصير قائلا عن الفرس: «من كان يسألني عن أصل دينهم ... فإن دينهم أن يقتل العرب.» ففي بخارى حاول العرب نشر الإسلام من خلال تقديم المال لمن يأتون للصلاة، وتوطين العرب قسرا بين السكان؛ ومع ذلك، تمردت المدينة مرارا وتكرارا، وارتد أولئك الذين اعتنقوا الإسلام. واغتيل الرجل الذي كان خليفة الإسلام وقت غزو إيران، عمر بن الخطاب، على يد عبد إيراني. وحتى في القرون اللاحقة، يبدو أن روح التمرد استمرت، خاصة في الملاذات التي أمكن لحركات التمرد أن تعثر عليها في الجبال الإيرانية. وبعد قرنين من الغزو العربي، عملت جماعة تسمى الخرمية وقائدها بابك، في شمال ماكو، ودعت إلى إعادة توزيع الممتلكات، وحرية ممارسة العلاقات الجنسية دون التقيد بالزواج، وشن الحرب على الحكومة. ثم في القرن الثاني عشر، عملت سلالة حاكمة زعمت أنها من نسل النبي محمد من قلعة تسمى الموت على قمة صخرية هائلة تقع أعلى واد ناء. وأرسلت من حصنها الجبلي أتباعها، المعروفين باسم الحشاشين، لقتل شخصيات بارزة في الحكومة التي حكمت إيران في ذلك الوقت. وأعلن أحد المنتمين إلى تلك السلالة الحاكمة إلغاء جميع التشريعات الدينية؛ حيث قال: «ما كان محرما أصبح مشروعا الآن، وما كان مشروعا أصبح محرما الآن.»
كانت أغلبية إيران في تلك الأيام سنية وليست شيعية. ولم تصبح الغالبية شيعية إلا في القرن السادس عشر. ومع ذلك، يبدو أكثر من مجرد صدفة أن هذه الإمبراطورية المنهارة انتهى بها المطاف بنسخة من الإسلام رسخت في داخلها إحساسا بأن كل شيء ليس على ما يرام مع العالم؛ أن الترتيب الصحيح للأمور قد انقلب. بدأ الإسلام الشيعي باثني عشر إماما، كان من المفترض أن يكونوا خلفاء النبي محمد (الذين انحدروا جميعا من آله؛ فمن النقاط التي يصر الشيعة عليها أن حكام الإسلام يجب أن يكونوا من آل النبي). لم يقبل غالبية المسلمين سوى أوائل أئمة الشيعة هؤلاء، وتوفي الكثير منهم وسط اتهامات بالخيانة. رسخ هذا في عقيدة الشيعة ازدراء للحكومات الدنيوية وأملا ورعا في أن آخر الأئمة الاثني عشر سيعود يوما ما في صورة المهدي - وهو المعادل للمسيا اليهودي والمسيحي - علامة على آخر الزمان. حتى أن حكام العصور الوسطى في إيران كان لديهم حصان جاهز دائما في إسطبلهم ليركبه المهدي، إن عاد.
وبالتفكير في هذا الاعتقاد الخاص بالشيعة، كنت أميل إلى مقارنته بموسيقى على سلم صغير، مثل الأغنية الإيرانية الحزينة التي كنت قد سمعتها في وقت سابق من ذلك اليوم في ستيريو السيارة. ربما كانت نغمات اللحن الرثائي للإمام الثاني عشر مألوفة لأي زرادشتي، يتوق إلى استعادة النظام القديم. والمهدي، وفقا للأسطورة، سينحدر من أباطرة بلاد فارس القدامى. وذلك لأنه قيل إن شهربانو، ابنة آخر إمبراطور لبلاد فارس المستقلة قبل أن تصبح مسلمة، تزوجت الحسين، حفيد النبي محمد: ولو كان هذا صحيحا، لكان جميع الأئمة اللاحقين ينحدرون من نسل النبي ونسل العائلة المالكة الفارسية أيضا. وربما ساعدت هذه القصة في دعم تأييد الإسلام بين الإيرانيين الذين اشتاقوا إلى النظام القديم.
تنبأ الأفستا أيضا بالمسيا؛ السوشيانت، المخلص الذي سيقود جيوش الخير في معركتها الأخيرة، التي ستحدث بعدها نهاية العالم وإقامة الأموات. ويبدو أن هذا المفهوم الزرادشتي، الذي يتناسب تماما مع إيمانهم بأن العالم ساحة معركة بين قوى الخير والشر، قد سبق الإيمان اليهودي بالمسيا وكذلك الإيمان الإسلامي بالمهدي؛ ويعتقد بعض العلماء أنه كان مصدر الإلهام لكليهما، على الرغم من أن فكرة عودة شخصية تاريخية من الموت لإنقاذ شعبه هي في الحقيقة فكرة قد تروق لأي مجتمع كان ماضيه أعظم من حاضره. وفي أسطورة لاحقة، قيل إن بحيرة كبيرة في جنوب شرق إيران تحتوي على بذرة زرادشت، القادرة على منح العالم سبعة أنبياء آخرين مثله لإيصال العالم إلى مستوى جديد من الحكمة في كل مرة. وقد تبنت بعض الجماعات الإسلامية هذا المفهوم، وأشارت أحيانا إلى أن محمدا كان النبي السابع. وزعمت الجماعات المنشقة عن الإسلام أن محمدا كان الخامس أو السادس فقط، وأن مؤسسها هو السابع.
وفي القرنين التاسع والعاشر، ضعفت قبضة الإمبراطورية العباسية العربية على إيران وسيطرت سلالات محلية حاكمة على أجزاء من البلاد. ومولت إحدى هذه السلالات الحاكمة، وتسمى السامانيين، على كتابة الملحمة الوطنية الإيرانية، «الشاهنامه». وكان الكاتب، الفردوسي، مسلما من الناحية الرسمية، لكن القصيدة مشبعة بالأفكار الزرادشتية. فعلى سبيل المثال، يبدأ التاريخ الذي ترويه عن الشعب الإيراني بمعركة ضد أنجرا ماينيو. وربما يكون الشاعر أيضا قد ساعد في الحفاظ على اللغة الفارسية باستخدامها في كتابة الملحمة. فإيران لم تعتمد اللغة العربية مطلقا في المحادثات اليومية وتواصل بفخر الاستمتاع بأدبها المنفصل تماما، وخاصة مجموعة ثرية من الشعراء. •••
توجهت من زندان سليمان إلى مدينة تمثل أكثر من غيرها الجانب الإسلامي الشيعي في إيران. فمدينة قم هي موطن الضريح الرئيسي والمدرسة الدينية الرئيسية في البلاد، حيث يدرب رجال الدين المسلمون. بني الضريح في المدينة حول قبر أخت الإمام الثامن، فاطمة المعصومة. وهو موقع ليس بأهمية مدينتي النجف وكربلاء في العراق، حيث دفن علي صهر النبي وحفيده الحسين. ومع ذلك، كان الوصول إلى قم في كثير من الأحيان أسهل على الحجاج الإيرانيين؛ ولذلك أصبحت ذات شعبية كبيرة. أضاءت الأضواء الخضراء للضريح ساحة انتظار السيارات حيث توقفنا، وكان بإمكاني أن أرى المكان الذي نصب فيه الحجاج الورعون خياما بين السيارات الواقفة، للاقتراب قدر الإمكان من الضريح. وفي فندق يطل على الميدان، حيث كنت آمل أن أجد غرفة، قال لي موظف الاستقبال - بعد أن أراني غرفتي - ألا أبقى هناك. أسرني قولا: «الأجرة باهظة للغاية هنا؛ ينبغي أن تقيم مع صديقي السيد جهانجير بدلا من ذلك. إنه يحب مقابلة الزوار!» وأجرى مكالمة وأكد أن السيد جهانجير الغامض يمكنه أن يمنحني سريرا لهذه الليلة، ثم أخبرني كيف أعثر عليه. تجولت في سلسلة من الطرق الصغيرة والأزقة حتى عثرت على شقة السيد جهانجير الواقعة تحت الأرض.
وتبين أن السيد جهانجير كان رجل دين شيعيا حديث العهد، رغم أنه لم يكن يرتدي ملابس رجال الدين. وبعد أن أدخلني إلى بيته، عرفني بثلاثة من أصدقائه الذين كانوا يجلسون جميعا على الأرض (وكانت زوجته، التي كانت ترتدي نقابا أبيض اللون، تجلس على استحياء في الخلف، لكن طفلته الصغيرة كانت أقل تحفظا). كانوا جميعا في مراحل مختلفة من الدراسة الدينية في إحدى مدارس مدينة قم الدينية، وقد كان أكبرهم وأظهر لي بفخر صورة له مرتديا عمامة «الشيخ» البيضاء، وهو لقب يمنح للرجل الذي بلغ مستوى معينا من التعلم الديني ولكن ليس لديه التمييز الإضافي المتمثل في كونه «سيدا» بعمامة سوداء، من نسل النبي. سألني رجال الدين ساعات عن بريطانيا؛ ولكن معظم الأسئلة كان يتعلق بالمجتمع وكيفية الحصول على التأشيرة أكثر من السياسة. لم ننته إلا في نحو الساعة الواحدة صباحا، وحتى بعد ذلك ظلوا ينقرون بأصابعهم على أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم مدة ساعة أخرى بينما كنت مستلقيا على مرتبة قريبة أحاول النوم. في الخامسة صباحا قاموا للصلاة. كان علي أن أستيقظ معهم واستعددت - بعينين غير قادرتين على الرؤية بوضوح ولكن مسرورا لإتاحة هذه الفرصة - لأن يصطحبني طلاب أفضل مدرسة دينية في إيران في جولة فيها.
في البداية أعطوني جولة في الضريح، حيث كانت قبابه الذهبية وبلاط السيراميك الأزرق الجديد اللامع علامات واضحة على مقدار الدعم والتمويل الذي تلقاه. لم يكن يسمح لغير المسلمين بالدخول، لكن رفاقي أدخلوني. ذهبوا للصلاة؛ ووقفت في انتظارهم بينما كان حشد المصلين يتدفق أمامي. عندما عادوا، قالوا إن لديهم مكانا آخر يريدون أن يطلعوني عليه. خرجنا من المسجد وسرنا في شارع تصطف على جانبيه الأشجار إلى مدرسة دينية كبيرة. كانت هذه المدرسة مميزة؛ فقد كانت التي درس فيها آية الله الخميني يوما ما. تعلو صورة آية الله الرواق المعمد المكون من طابقين، الذي يحيط بساحتها الواسعة المليئة بالأشجار. أرشدني أصدقائي الجدد إلى الغرفة التي كانت يوما ما غرفة الخميني الصغيرة للنوم والمذاكرة، ووقفوا أمامها كما يفعل الغربيون عندما يعزف نشيدهم الوطني، ينظرون بتبجيل إلى الأثاث البسيط وصورة آية الله على الحائط. تململت بارتباك. بمقاومة إغراءات الثروة والسلطة بوصفه حاكما مطلقا، أظهر الخميني قوة شخصية كبيرة. ومع ذلك، لم يكن صديقا للزرادشتيين في إيران، الذين كانوا قد عاشوا حياة مزدهرة في ظل النظام الملكي العلماني الذي أطاح به.
Page inconnue