Héritiers des royaumes oubliés : religions déclinantes au Moyen-Orient
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
Genres
كان المقصود من الصورتين الاحتفاء بالتغيير من القديم إلى الجديد. وباستيعاب ما حدث في السابق، يمكن فهمهما فهما مختلفا: كان من حكمة النخبة المتأثرة بالغرب أنها كانت تتخوف من المتمسكين بالتقاليد؛ لأن البطاركة المعممين سينتقمون في النهاية. ففي يناير 1979، استسلم حاكم إيران العلماني، محمد رضا شاه، لمطالب الثوار ورحل إلى منفى طوعي. وفي الشهر التالي، عاد معارضه القديم روح الله الخميني من المنفى إلى طهران، واتخذ خطوات حثيثة لتولي السلطة. وبصفته آية الله - أي رجل دين شيعي بارز - ادعى سلطة إلهية للحكومة الجديدة التي شكلها. وأعلن أن: «وصايا الفقيه الحاكم»؛ أي وصاياه، «مثل وصايا الله.» كان شاها القصر البهلوي قد قدما الكثير لمساعدة الزرادشتيين؛ لكن في ظل حكم آية الله، أصبحت السلطات أكثر عداء لغير المسلمين، وتغيرت القوانين بطرق أضرت بهم.
عندما وصلت إلى أقرب بلدة ذهبت لتناول الطعام في مطعم الكباب بها، وقرر اثنان من المسلمين الإيرانيين كانا جالسين على الطاولة المجاورة أن يعتنيا بي. كانا أخوين. قالا: «تعال إلى قريتنا»، ووافقت، على أمل أن أرى الحياة الأسرية الإيرانية. أثناء مضينا بالسيارة عبر بساتين الكرز بالقرب من بحيرة أرومية، وستيريو سيارتهما يصدر موسيقى إيرانية حزينة جدا، علمت أن الأخوين كانا من الأذر، وهو شعب تركي اندمج في المجتمع الإيراني على مدار السبعمائة سنة الماضية. كان أكراد وأرمن ومسيحيون آشوريون يعيشون أيضا في هذا الجزء من البلاد، وعلى الرغم من أن كل جماعة كانت لها لغتها الخاصة، كان الغالبية يتحدثون الأذربيجانية. وعند وصولنا إلى القرية، طلب مني مضيفاي الجديدان أن أهبط في مقعدي حتى لا يراني أحد؛ لأنه كان ممنوعا عليهما استضافة الأجانب. وقال لي أحدهما: «هذا لأنني أنتمي إلى قوات الباسيج.» وهكذا أدركت أنني في قبضة الباسيج؛ وإن لم يكن بالطريقة التي كنت أخشاها. قدم لي الأخوان عشاء وسريرا لقضاء الليلة. وقابلت زوجتيهما وأطفالهما الصغار الذين أكلوا معنا.
وفي صباح اليوم التالي، عندما كنت جالسا على السجاد الصوفي الأحمر الذي كان مفروشا على أرضية غرفة المعيشة أراجع خريطتي، رأيت أنني كنت قريبا من أحد المعالم الزرادشتية. لذلك بعد أن أوصلني الأخوان خلسة إلى محطة للحافلات (حيث قالا لي: «ابق منخفضا!» عندما مرت السيارة بأشخاص في الشارع يعرفهما الأخوان)، ركبت حافلة في رحلة قصيرة خارج البلدة، مرورا بقمم مغطاة بالثلوج، إلى تلة مخروطية الشكل شديدة الانحدار ذات جوانب غبارية اللون. وعلى المسار المتعرج الذي أدى إلى قمتها، كان يوجد العديد من الأزواج الإيرانيين، وبعض الأولاد الصغار، ورجل مسن. تبعتهم، وفي القمة حدقنا جميعا في فوهة بركان خامد. قالوا لي إن هذا هو «زندان سليمان»، أي سجن سليمان. •••
للملك اليهودي سليمان مكانة بارزة في القرآن، الذي يذكر أنه كان ذا سلطان على الأرواح غير المرئية التي يسميها المسلمون «الجن». وفي إحدى أساطير «ألف ليلة وليلة»، يفتح صياد سمك زجاجة عليها ختم سليمان على سدادتها، ويخرج جني ويخبره أن سليمان «ليعاقبني ... أمر بإحضار هذه الزجاجة وسجنني فيها، وأغلقها بسدادة من الرصاص، وختم الرصاص باسم الله الأعظم.» يبدو أن التراث المحلي كان يعتقد أن سليمان قد فعل شيئا مشابها في زندان سليمان، حيث سجن الأرواح المتمردة داخل فوهة البركان العميقة المنحدرة الجوانب.
ربما قاومت أرواح المكان سليمان. وقبل مجيء الإسلام كان هذا البركان أحد أعظم مزارات الزرادشتية وأهمها. ربما كان مكانا لتقديم القرابين؛ إذ يخبرنا هيرودوت أنه عندما أراد الفرس تقديم قرابين لأهورا مزدا، كانوا يصعدون على جبل مرتفع. وأضاف أنهم كانوا حينها أيضا يقدمون القرابين «للشمس والقمر والأرض، وللنار والماء والرياح.» تخيلتهم يصعدون بجهد المسار ذاته الذي أتيت منه، مرهقين من حمل حمل أو عنزة ذبيحة على طريق الصعود بأكمله على سفح الجبل. بقيت ثلاثة من العناصر الأربعة؛ فالرياح ما زالت تعصف بالسهل، مما يتسبب في برودة الجو حتى في فصل الربيع؛ وكانت الأرض هناك بنية وغير خصبة؛ ومياه البحيرة القريبة كانت لا تزال زرقاء عميقة جميلة. لكن النار قد انطفأت.
كان هذا المعبد المدمر عند سفح زندان سليمان يوما ما مثوى نار غوشناسب، المقدسة لدى المحاربين، والتي زارها الأباطرة الفرس قبل معاركهم مع الرومان. صورة مأخوذة بواسطة المؤلف.
يضيف هيرودوت أن الفرس رفضوا الممارسة الشائعة المتمثلة في تصوير الآلهة في هيئة بشرية وعبادتها في المعابد: «ليس لديهم صور للآلهة، ولا معابد ولا مذابح، ويعتبرون استخدامها إحدى علامات الحماقة.» ومع ذلك، بنى الزرادشتيون في زمن لاحق معابد، ربما تحت تأثير البابليين والشعوب الأخرى التي احتلوها، لكنها لم تحتو على أي تماثيل للآلهة، وإنما فقط شعلة لا تنطفئ. عندما نظرت إلى أسفل من حافة الفوهة، كان بإمكاني رؤية أنقاض أحد أعظم هذه المعابد. وقد بني منذ ما يقرب من ألفي عام ليكون مثوى ما لا بد أنه كان يبدو نارا خارقة حقا للطبيعة؛ فهي شعلة ظلت متأججة باستمرار جراء الغاز الطبيعي المتسرب من قاعدة البركان. أطلق الزرادشتيون على هذه النار اسم غوشناسب واعتبروها إحدى الثلاث نيران الأقدس في بلاد فارس.
كانت غوشناسب معروفة بأنها نار المحاربين، وكان التقليد الزرادشتي يعتبرها قديمة قدم العالم. كان ملوك الفرس يزورونها لتقديم القرابين قبل الخروج في حملات ضد الرومان، ولاحقا البيزنطيون. وبحلول القرن السابع الميلادي، كانت الحرب المستمرة قد أنهكت الإمبراطورية الفارسية. وأثبتت حملة ناجحة وصلت بالفرس غربا حتى مصر أنها الرمق الأخير لإمبراطوريتهم. وفي سنة 627 ميلادية، أتى آخر زائر ملكي إلى نار غوشناسب. كان اسمه خسرو، وقام بزيارته في وقت كان يشعر فيه باليأس. فقد كان هو وقواته يتقهقرون أمام تقدم البيزنطيين، الذين كانوا يستعينون بقبائل عربية محلية باعتبارها مرتزقة. وكان البيزنطيون مسيحيين معروفين باحتقارهم للنار المقدسة، وبدلا من تركها تقع في أيديهم، أخرجها خسرو من المزار المقدس وأخذها معه. وبعد خمسة عشر عاما، سقطت إمبراطوريته - ليس أمام البيزنطيين وإنما أمام العرب، الذين كان الإسلام قد وحدهم حينئذ.
لم يرغب العرب في مواجهة جيوش الفرس، التي كانوا يخشون من أنها ستربح في أي مواجهة عسكرية. لكن عندما انجر العرب أخيرا إلى معركة مع جيش الفرس، نجحوا في إجبار خصومهم على التقهقر إلى مكان يدعى نهاوند، حيث قرر الفرس أن يصمدوا. وكما تصف الملحمة الفارسية العظيمة «الشاهنامه» المشهد، يأتي رسول عربي يرتدي أسمالا بالية لتوجيه إنذار نهائي للفرسان الفرس، الذين كانوا يرتدون كلهم دروعا ذهبية متألقة، دلالة على مجدهم ونبل محتدهم. كان رستم، ابن الملك الفارسي، يقرأ النجوم ويرى المستقبل: «النجوم تفرض علينا الهزيمة والهروب. ستمر أربعمائة عام سيكون فيها اسمنا، منسيا ومجردا من الشهرة.» بعد هزيمتهم، هرب بالفعل الإمبراطور وما تبقى من بلاطه شرقا إلى آسيا الوسطى، آخذين معهم دينهم . وبقي هناك باعتباره العقيدة السائدة لجيل آخر أو نحو ذلك. ومن نهاوند فصاعدا، أصبح الإسلام دين الدولة في إيران. ولم توقد مرة أخرى أبدا نار غوشناسب.
تتباين الآراء حول مدى سرعة تخلي الإيرانيين عن الزرادشتية، لكن يبدو أن بعض أفراد العائلة المالكة أصبحوا مسلمين في وقت مبكر. وقد وجد معتنقو الإسلام أن بعض جوانب الدين الجديد تنسجم جيدا مع العادات الزرادشتية. فكلتا الديانتين تطلب من أتباعها الصلاة عدة مرات في اليوم (الزرادشتيون ثلاث مرات، والمسلمون خمس مرات)، وتقدس النظافة، وتستند إلى مجموعة من الكتب المقدسة الإلهية. وقدم الإسلام مهربا من النظام الطبقي الديني الزرادشتي، الذي كان فيه الكهنة والمحاربون في القمة؛ ولم تلقن الطبقات الدنيا الكثير عن الدين وكانت أسرع في التخلي عنه، كما يتضح من النسبة العالية للعائلات الكهنوتية بين أولئك الذين بقوا على اعتناقهم للديانة الزرادشتية. واستطاع من بدلوا دينهم أن يجمعوا بين كلا الأمرين، حيث انتهجوا الممارسات الإسلامية ولكن حافظوا أيضا على بعض التقاليد الأكثر شعبية في الزرادشتية، مثل الاحتفال بالعام الجديد (النيروز)، الذي لا يزال عيدا رئيسيا مدة أسبوعين في إيران. وخلال زيارتي، شاهدت العديد من العائلات الإيرانية جالسة تتناول الطعام في الهواء الطلق احتفالا بسيزده بدر، آخر يوم من أيام النيروز.
Page inconnue