﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بالرسل﴾ أَيْ: وأرسلنا رسولًا بعد رسول ﴿وآتينا عيسى ابن مريم البينات﴾ يعني: ما أُوتي من المعجزة ﴿وأيدناه﴾ وقوَّيناه ﴿بِرُوحِ القدس﴾ بجبريل ﵇ وذلك أنَّه كان قرينه يسير معه حيث سار يقول: فعلنا بكم كلَّ هذا فما استقمتم لأنَّكم ﴿كلما جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ﴾ ثمَّ تعظَّمتم عن الإِيمان به ﴿ففريقًا كذَّبتم﴾ مثل عيسى ومحمَّدٍ ﵉ ﴿وفريقًا تقتلون﴾ مثل يحيى وزكريا ﵉ ﴿وقالوا قلوبنا غلفٌ﴾ هو أنَّ اليهود قالوا استهزاءً وإنكارًا لما أتى به محمد ﵇: قلوبنا غلفٌ عليها غشاوةٌ فهي لا تعي ولا تفقه ما تقول وكلُّ شيءٍ في غلافٍ فهو أغلف وجمعه: غُلْف ثمَّ أكذبهم الله تعالى فقال: ﴿بل لعنهم الله﴾ أَيْ: أبعدهم من رحمته فطردهم ﴿فقليلًا ما يؤمنون﴾ أَيْ: فبقليلٍ يؤمنون بما في أيديهم وقال قتادة: فقليلًا ما يؤمنون أَيْ: ما يؤمن منهم إلاَّ قليلٌ كعبد الله بن سلام ﴿ولما جاءهم كتاب﴾ يعني: القرآن ﴿مصدِّق﴾ موافقٌ ﴿لما معهم﴾ ﴿وكانوا﴾ يعني: اليهود ﴿من قبل﴾ نزول الكتاب ﴿يستفتحون﴾ يستنصرون ﴿على الذين كفروا﴾ بمحمد ﵇ وكتابه ويقولون: اللَّهم انصرنا بالنَّبيِّ المبعوث في آخر الزَّمان ﴿فلما جاءهم ما عرفوا﴾ يعني: الكتاب وبعثة النبيّ ﴿كفروا﴾ ثمَّ ذمَّ صنيعهم فقال: ﴿بئسما اشتروا به أنفسهم﴾ أَيْ: بئس ما باعوا به حظَّ أنفسهم من الثَّواب بالكفر بالقرآن ﴿بغيًا﴾ أَيْ: حسدًا ﴿أن ينزل الله﴾ أَيْ: إنزال اللَّهُ ﴿مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عباده﴾ وذلك أنَّ كفر اليهود لم يكن من شك ولا اشتباهٍ وإنَّما كان حسدًا حيث صارت النُّبوَّة في ولد إسماعيل ﵇ ﴿فباءوا﴾ فانصرفوا واحتملوا ﴿بغضب﴾ من الله عليهم لأجل تضييعهم التَّوراة ﴿على غضب﴾ لكفرهم بالنبي محمد ﷺ والقرآن