قال أحدهما: «في رأيي، كان ينبغي لنا أن نلقي القبض على الفتاة؛ فقد سمعت ما قالته.»
قال الآخر: «أجل، لكن تحقق لنا ما يكفي الآن، إذا ما عرف الملأ من هو.»
فكرت لورين أن تتبعهم، لكنها كانت مذهولة من الكلمات التي قالها لها عشيقها أكثر من الصفعة التي وجهها لها، حتى إنها استدارت في حزن نحو الجسر الملكي وذهبت باتجاه غرفتها.
وفي صباح اليوم التالي، لم تذهب إلى عملها عبر الحديقة كعادتها، وحين دخلت صيدلية سيام صاح مالكها: «ها هي، تلك الماكرة! من كان سيعتقد أنها السبب وراء ذلك؟ أيتها الحقيرة، لقد سرقت عقاقير الصيدلية لتعطيها ذلك الوغد!»
قالت لورين بكل شجاعة: «لم أسرقها، لقد وضعت النقود في الدرج ثمنا لها.»
قال صاحب الصيدلية: «اسمعا! إنها تعترف!»
تقدم نحوها الشرطيان المتخفيان وألقيا القبض عليها بتهمة التواطؤ مع جان دوريه الذي كان قد ألقى أمس قنبلة في شارع الأوبرا المزدحم.
وسرعان ما رأى القضاة الفرنسيون المتحيزون أن الفتاة كانت بريئة ولم تكن تضمر أي نية شريرة، وأنها كانت ضحية ذلك الوغد الذي يحمل اسم جان دوريه. وقد حكم عليه بالسجن مدى الحياة، بينما أخلي سبيلها. وقد حاول إلقاء اللائمة عليها كالجبان؛ وذلك ليحمي امرأة أخرى. وكان هذا هو ما أدمى قلب لورين. ربما كانت ستحاول أن تجد عذرا لجريمته، لكنها أدركت أنه لم يهتم لأمرها قط، وأنه كان يستغلها كأداة في يده ليحصل على المواد الكيميائية التي لم يجرؤ على شرائها.
وتحت زخات المطر الخفيف المتساقط خرجت من سجنها معدمة، متعبة الجسد ومحطمة الروح. مرت من أمام صيدلية سيام الصغيرة لكنها لم تجرؤ على دخولها. وأكملت سيرها تحت المطر على طول شارع بيراميد، وعبرت إلى شارع ريفولي، حتى دخلت حديقة تويلري. كانت قد نسيت أمر المرأة الحجرية، لكن خطواتها كانت تقودها إليها من دون وعي منها. ورفعت نظرها إلى التمثال في دهشة، غير مدركة له في البداية. لم يعد التمثال لامرأة مبتسمة. كانت رأس التمثال ملقى للخلف وعيناه مغلقتان، وكانت آخر نزعات الموت مرسومة على وجهه. كان التمثال على درجة كبيرة من البشاعة والفظاعة. وكانت الفتاة متحيرة للغاية من التغير الذي اعترى التمثال، حتى إنها نسيت لبعض الوقت ما حل على حياتها من خراب. ورأت أن الوجه المبتسم لم يكن سوى قناع مثبث في مكانه بفعل انحناء الذراع اليسرى عليه. وقد أدركت الفتاة الآن أن الحياة ما بين مأساة وملهاة، وأن من لا يرى سوى وجهها المبتسم، فإنه لم ير سوى نصف الحقيقة. أسرعت الفتاة في سيرها نحو الجسر وهي تنشج في صمت بينها وبين نفسها، ونظرت إلى الأسفل نحو مياه النهر الكئيبة. لم يعرها المارة أي اهتمام، وتساءلت في نفسها لم كانت تفكر في النهر على أنه بارد وقاس ولا يرحم؟ إنه موطن المشردين الوحيد، والعشيق الذي لا يتغير ولا يتبدل. ثم استدارت نحو أعلى الدرج الذي كان يؤدي إلى الأسفل حيث حافة المياه. ونظرت نحو حديقة تويلري لكنها لم تستطع أن ترى تمثالها بسبب الأشجار التي حالت بينهما، فقالت في نفسها وهي تنزل الدرج بسرعة: «سأصبح أنا أيضا امرأة من حجر.»
كيمياء اللاسلطوية
Page inconnue