L'autre visage du Christ : la position de Jésus sur le judaïsme - Introduction à la gnosticisme
الوجه الآخر للمسيح: موقف يسوع من اليهودية – مقدمة في الغنوصية
Genres
وعلى الرغم من أن العقيدة الكاثارية قد صارت عقيدة رسمية لمجتمع ولنظام سياسي معين، فإنها لم تشكل كنيسة بالمفهوم المسيحي القويم، أو بالمفهوم المانوي، ولم تتحول إلى أيديولوجيا دينية مصاغة في قالب دوغمائي منمط، بل كانت تضم عددا من الطوائف التي يتبع كل منها مرشدا روحيا ويتكنى باسمه، أي إنها بقيت أمينة لمبادئ الغنوصية المسيحية المبكرة، التي عرفناها في القرون الأولى للميلاد، ولكن على الرغم من اختلاف الطوائف الكاثارية في تفاصيل المعتقد والممارسة، إلا أنها تتفق على عدد من المبادئ، وعلى رأسها العرفان وتناسخ الأرواح والثنوية الكونية.
لقد رفض الكاثار المؤسسة الدينية كوسيط بين الله والناس، وكمفسر لوحي الكتاب، كما رفضوا مفهوم الإيمان المسيحي، وأكدوا على العرفان الداخلي الذي يقود إلى الانعتاق من دورة التناسخ، وقد استتبع ذلك رفضهم لفكرة المسيح المتجسد، ورفض المضمون الخلاصي لواقعة الصلب، والصليب كرمز لخلاص الإنسان، بل لقد رأوا في الصليب رمزا لأمير الظلام حاكم العالم المادي والعدو الأول لمبدأ الخلاص، ورأوا في كنيسة روما تجسيدا لسلطان أمير الظلام على العالم، ومع ذلك فقد اعتبروا أنفسهم المسيحيين الحقيقيين، واعتقدوا بمسيح سماوي لم يتجسد في إنسان؛ لأن الجسد الإنساني ينتمي إلى عالم المادة المظلمة صنيعة الشيطان، ومن غير الممكن للمسيح أن يلبس جسدا ويبقى في الوقت نفسه ابنا لله.
لا يقف المعتقد الثنوي الكاثاري عند حدود الثنوية الأخلاقية للمسيحية، وإنما يتعداه إلى ثنوية كونية تتخلل جميع مظاهر الوجود قطباها مبدآن متصارعان على كل صعيد، المبدأ الأول روحاني جوهره الحب، والمبدأ الثاني مادي جوهره القوة، الأول هو الله والثاني هو الشيطان، وبما أن الخلق والتكوين هو عمل من أعمال القوة لا من أعمال الحب، فإن العالم المادي قد صنعه الشيطان، ملك الدهر وأمير هذا العالم، من هنا، فإن المادة بجميع أشكالها شر، بما في ذلك جسد الإنسان، فبعد أن انتهى أمير العالم من عمل التكوين وجاء إلى صنع الإنسان، وجد نفسه غير قادر على بث الحياة في الجسد الطيني للزوجين الأولين، فعمد إلى اصطياد روحين ملائكيتين من الأعالي وسجنهما في الهيئة المادية التي صنعها، فنهض أمامه آدم وحواء بشرا سويا بجسد ظلامي وروح نورانية ، ولما كان ملك العالم راغبا في احتباس مزيد من الأرواح في المادة الكثيفة، فقد أغوى آدم وحواء وزين لهما الفعل الجنسي، الذي يقود إلى التكاثر فكانت الخطيئة الأصلية للإنسان.
عندما بدأ أولاد آدم يتكاثرون، أعلن الشيطان ألوهته لهم عن طريق أخنوخ بن يارد (انظر سفر التكوين 5: 18-24)، الذي رفعه إليه وأعطاه ريشة وحبرا فكتب سبعة وستين كتابا، وأمر بأن تحمل إلى الأرض وتسلم للناس لكي تعلمهم كيفية إقامة الطقوس وتقديم القرابين، وأشياء أخرى تخفي عنهم ملكوت السماء، وكان الشيطان يقول لهم: آمنوا فأنا إلهكم ولا إله إلا أنا، بعد ذلك أعلن ألوهته لموسى واختار اليهود شعبا له ، وأعطاهم الشريعة على يد موسى، وقادهم عبر البحر الذي انشق أمامهم؛ ولهذا نزل المسيح إلى العالم، وقبل نزوله أرسل الله ملاكه قبله واسمه مريم ليستقبل فيه الابن، فلما نزل، دخل عبر الأذن من مريم وخرج من الأذن الأخرى، وعندما علم الشيطان بنزول الابن أعطى اليهود ثلاثة أنواع من الخشب ليصلبوه، واعتقد في ضلالته أنه قد أماته.
3
وعلى الرغم من كل مجهود للشيطان، فإن الإنسان قادر على إزالة أثر الخطيئة الأصلية من خلال التعرف على أصله النوراني، ومقاومة كل تأثير للعالم المادي عليه، وهو في سعيه لتحرير روحه إنما يشارك في الوقت نفسه بالسعي الخلاصي الكوني، الذي يهدف إلى القضاء على مملكة الشيطان، ومع ذلك، فإن سعي الإنسان هذا يبقى قاصرا إذا لم يرفده مدد من عند الله. لقد شعر الأب النوراني بالعطف نحو ملائكته المحبوسة في أجساد بشرية مادية، وغفر للإنسان خطيئته الأصلية التي ارتكبها جهلا لا اختيارا، فأرسل ابنه المسيح لمساعدتهم على الخلاص، كما أمدهم بالروح القدس لتوجيههم وتعليمهم، وعلى الرغم من أن المسيح قد تألم في الأعالي من أجل الإنسانية وتعاطف معها، فإنه لم يكن له أن يتألم ويعاني في ظهوره الشبحي على الأرض، حيث تراءى للناس في هيئة وشكل، ولكن حضوره بينهم كان أشبه بحضور ملائكي منظور ومسموع، ولكن من غير قوام مادي؛ لهذا فإن الإنسان لا يستطيع أن يلتمس المسيح في الكنائس لأنها ليست بيتا له، وإنما يلتمسه في هيكل النفس ويطلب عونه على الخلاص بالمعرفة، وعندما تنتصر الإنسانية على الشيطان وتخلص من ربقته، فإن هذا الانتصار لن يتوج ببعث الأجساد التي تعود للاتحاد بأرواحها، بل بتدمير الجسد مع ما يتم تدميره من عالم الشيطان، عندما تأتي السيادة النهائية للعالم الروحاني بعد فناء العالم المادي وقهر صانعه.
تختلف ثنوية المعتقد الكاثاري عن ثنوية البوجوميل المعتدلة في النظر إلى طبيعة تناقض المبدأين، فالتناقض بين النور والظلام لدى الكاثارية هو تناقض مطلق، وتعارضهما أزلي؛ لأنهما مبدآن مستقلان ومنفصلان أصلا ولم ينشأ أحدهما عن الآخر، فالكاثارية في هذا أقرب إلى المانوية من أي معتقد غنوصي آخر، فالخيار الحر لم يكن السبب في سقوط الشيطان واستقلاله عن الله؛ لأن الشيطان كان في استقلال منذ البداية، ولم يكن لله في أي وقت سلطان عليه، على الرغم من أنه سيربح حربه تدريجيا في نهاية المطاف، وكما لم تكن الحرية سببا في سقوط الشيطان، فإنها لم تكن أيضا السبب في سقوط الإنسان؛ لأن الإنسان قد سقط عنوة في إسار الشيطان، ولم يكن له خيار في ذلك، ولكنه قادر على التحرر عبر حيوات متتالية، يعمل خلالها على تكميل معرفته، وتطهير روحه من عالم المادة، الذي هو الجحيم بعينه ولا جحيم غيره، هذا التطهير التدريجي يتم عن طريق رفض العالم رفضا كليا، ونبذ الشروط التي تجعل الوجود الإنساني المادي ممكنا، وهذا يعني الامتناع عن الزواج والمعاشرة الجنسية، التي تؤدي إلى استمرار النسل الإنساني، وتقديم مزيد من الرعايا لإله هذا العالم، يضاف إلى ذلك الامتناع عن أكل الحيوان؛ لأنه نتاج عملية التناسل المادية، وعدم تملك أي شيء من متاع الدنيا، وممارسة الزهد والتقشف إلى أبعد حد ممكن، وعلى النطاق الأخلاقي، على الكاثاري التزام الصدق وحسن معاملة الآخرين، وعدم إيذاء جميع الكائنات الحية.
ولما كان هذا النهج عسيرا على معظم الناس، فقد انقسم الكاثاريون إلى شريحتين، الأولى شريحة رهبانية منذورة للخلاص القريب، هي فئة الكاملين الذين يلتزمون السلوكيات والأخلاقيات الكاثارية بحذافيرها ، ويتفرغون للتأمل والمعرفة الباطنية والرياضات الروحية، والثانية هي شريحة سواد الناس الذين يمارسون حياتهم الاعتيادية، ويتبعون سلوكيات وأخلاقيات أقل صرامة، ويدعمون الكاملين، ويقبلون توجيههم الروحي، وذلك على أمل الالتحاق بهم في تناسخات مقبلة. ذلك أن الانتماء إلى جماعة الكاملين متاح أمام الجميع، ولمن يجد في نفسه القوة الروحية اللازمة، وباب السماء مفتوح لكل من يشاء اختصار دورة الحياة والموت والالتحاق بالأبدية، يتم قبول المريدين الجدد إلى جماعة الكاملين بعد طقس إدخالي خاص، يؤمن عبور المريد من عالم ملذات الدنيا الفانية إلى عالم متع الروح الصافية، ومن أهم فقرات هذا الطقس، عميلة التعميد الروحي التي تتم من خلال وضع يد الشيخ على رأس المريد، بعد فترة اختبار تدوم عاما كاملا، يكشف خلالها الشيوخ للمريدين المقبولين أسرار العقيدة المخفية عن عامة المؤمنين، ويغدو هؤلاء المريدون أعضاء عاملين في سلك الرهبنة الكاثارية.
نحو عام 1200م، شعرت الباباوية الكاثوليكية بأن المقاطعة الكاثارية في فرنسا، وجيوبها المتفرقة في أنحاء عديدة من الغرب المسيحي، باتت تشكل خطرا حقيقيا عليها، فأمر البابا إنوسنت الثالث بتجهيز حملة عسكرية دعاها بالحملة الصليبية الألبينية، ووجهها إلى جنوب فرنسا عام 1209م، كان قوام الحملة ثلاثين ألف جندي من المشاة والفرسان الذين انحدروا من الشمال كالإعصار نحو مقاطعة الكاثار، وكان أجرهم هو ما يحصلون عليه من أسلاب وغنائم، إضافة إلى صك غفران يضمن لهم مكانا في الجنة، ويروي أحد مؤرخي تلك الحملة أن قائدها سأل ممثل البابا الذي يرافقه عن كيفية تمييز الهراطقة من المسيحيين في المدن المفتوحة قبل إعمال السيف فيهم، فقال له: اقتلهم جميعا واترك لله بعد ذلك أن يميز رعيته بينهم. وهذا ما حصل فعلا، فقد أحرق الصليبيون الجدد الأرض ومسحوا المدن الآمنة فسووها بالتراب، وأفنوا سكانها عن بكرة أبيهم دون تمييز، وفي هذه الأثناء، كان الممثل البابوي في الحملة يرسل تقارير التي تثلج قلب الفاتيكان قائلا: إن السيف لم يميز ضحاياه تبعا للجنس أو السن أو المكانة الاجتماعية،
4
Page inconnue