101

الدنيا الميتة

يقول بعض الفلاسفة: إن المادة ليست بذات وجود حقيقي، وإن العالم لا أثر له في الخارج، وإنما هو وهم معكوس عن حس الإنسان وتصوره، وهذا لعمري إغراق في التجريد يقرب من الجنون. ولكن مما لا ريب فيه أن للعالم في كل ذهن صورة تختلف عن صورته في سائر الأذهان، فليس في هذه الأمم رجلان يريانه على مثال فرد، وقد ترى الرجلين يجلسان في حجرة واحدة أحدهما يود لو يبخع نفسه لقبح الدنيا في عينيه، والثاني يود لو يعمر أبد الأبيد ليشتف جمالها وبهجتها. فهل يقال في هذين إن عالمهما واحد؟ فمن هنا ساغ لنا أن نقول إن العالم تموت نسخة منه كلما مات إنسان، أو إن العالم كله يموت في النفس الخامدة الشقية، إذ كان لا يغني عن الإنسان شيئا بقاء العالم للناس إذا مات عالمه الذي يراه في خواطره وأحلامه، كذلك تعرض لنفس الإنسان في الحياة غمات تشوه صورة الدنيا عنده أو تكاد تقتلها، فيحق له أن يرثيها رثاءه الميت المفقود، وهو لا يرثي في الحقيقة إلا نفسه التي فقدت لذة الشعور بجمال الحياة وحياة الدنيا فيه:

أحبك حب الشمس فهي مضيئة

وأنت مضيء بالجمال منير

أحبك حب الزهر فالزهر ناضر

وأنت كما شاء الشباب نضير

أحبك حبي للحياة فإنها

شعور، وكم في القرب منك شعور

فهل في ابتغائي الشمس والزهر سبة

وهل في ولوعي بالحياة نكير

Page inconnue