Oasis de la Vie
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
Genres
غادة من الذهب
تستحم في اللهب
أشرقت بين الغصون
يستخفها الطرب
حولها على الضفاف
مهرجان من صخب
من طيور سابحات
شاكرات من وهب
ويبدو أنني تركت الأبيات سهوا على المنضدة التي كنت أعمل عندها؛ لأنني عندما قابلت الشلة في اليوم التالي، قال لي فتحي: غادة من الذهب؟ لأ .. إحنا عايزين غادة بحق وحقيق ! وعلق أبو العيد قائلا: عبد الحميد مش عايز! عنده خالته! وكان عبد الحميد يتظاهر بالنوم في سرير خالته فتشفق عليه ولا توقظه، وتنام إلى جواره، مما دفع الشلة إلى قول ذلك، وكان هو لا يخجل من رواية ما يحدث، وكانت لديهم خادمة جميلة، يزورونه من أجلها، أما فيصل فكان دائم البكاء على زوجته اليوغوسلافية التي تركها في ألمانيا؛ إذ كان قد عمل بعض الوقت أثناء العطلة الصيفية في مصنع للخزف في إحدى المدن الألمانية، وتعرف على تلك الفاتنة (كان يحمل صورتها دائما) وتزوجها، وكانت تريد الذهاب إلى مصر، ولكنه رفض خوفا عليها، وكنا نلح عليه في إحضارها ونعطيه الأمان فيرفض قائلا: أنتم لا أمان لكم! وأما علي سليم فلم يكن متفوقا في الدراسة، وكان أخوه «عنتر» في «جروبي»، ويأتي إلينا أحيانا بالمارون جلاسيه (أي بالقسطل المكسو بالسكر)، وكان علي أبو العيد طيب القلب، يحسد أخاه الكبير محمد الذي كان يعمل مفتشا للضرائب في الملاهي، ويحسد أخاه الدكتور عبدالفتاح الأستاذ في كلية الهندسة صاحب السيارة الأوبل، ويتمنى أن يدخل كلية الطب (وكان في كلية الزراعة)، وقد لاحت له الفرصة، إذ أعلن عن إمكانية التحويل بشرط إعادة الثانوية العامة (التي حلت محل التوجيهية) والحصول على المجموع المؤهل للطب، وقد فعل ذلك والتحق بالسنة الإعدادية، ولكن أخاه الأكبر اشترط عليه النجاح في السنة الإعدادية وإلا أعاده إلى الزراعة، ولكنه لم ينجح، وعاد إلى الزراعة. وكان أخوه الثالث هو أحمد أبو العيد عازف الفيولنسيل (الشلو) والمستشار الموسيقي بالإذاعة. وكان علي طيب القلب رقيق الحاشية، ذكيا مجتهدا، ولكن الله ابتلاه أولا بنزيف في المعدة شفي منه بجراحة في آخر لحظة، ثم بالتهاب العصب السابع في الوجه الذي يجمد حركة النصف الأيسر، ثم شفي منه وعاد له. ولكنه كان آنذاك ما يزال يكافح في دروس الزراعة.
وذات يوم ذهبت إلى العوامة فوجدت جوا من الغموض، نصحني فتحي على أثره بالعودة إلى المنزل، وتصورت أنهم يريدون التدخين «الممنوع» ولا يريدون إطلاعي عليه، وتكرر المشهد في اليوم التالي ، واشتكيت لعلي أبو العيد من منعي من استخدام مكاني في العوامة بعد أن شاركت بنصيبي في الإيجار، بل دفعت أكثر من الآخرين! وقال لي «علي»: انتظر! يبدو أن معهم «واحدة»! وذهبت في الليلة التالية فوجدت عجبا: رجل ريفي يتكلم بلهجة أهل الصعيد، ومعه امرأة حدست أنها زوجته تتكلم باللهجة نفسها، ومعها علي سليم وفتحي رضوان وقريب الوزير المشهور! وعندما ألقيت تحية المساء، قال لي فتحي: لأ .. روح انت يا عناني .. دي مشكلة بسيطة! وشاهدت في الركن فتاة صغيرة تجلس دون حراك، ولم أتبين ملامحها جيدا.
Page inconnue