Oasis de la Vie
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
Genres
وقلت لسامي هامسا في فرق: هذا تأثير الخمر! فقال: بل كراهية الأجانب. وقص علي طرفا مما شهده على مدى السنوات الثلاث الماضية من أحداث تؤكد تلك النزعة العدوانية التي تتحول إلى العنف الدامي في لمح البرق، وإن كنت ما أزال أعتقد أن الخمر هي التي أطلقت تلك النزعة الجائحة الجامحة. وشرح لي سامي خوف الناس من الشرطة؛ لأن رجال الشرطة لا يرحمون، وعقوبة العنف رادعة، ولو لم يفر المعتدون لتعرضوا لأقصى العقوبات؛ فالقانون الإنجليزي ينص على أقصى عقوبة للإخلال بالأمن (أو حرفيا «تعكير صفو السلم»
Disturbing the peace ).
د. محمد مصطفى رضوان ود. سعد حجازي أثناء رحلة لبيت الطلاب العرب.
عندما قابلت الأستاذ المشرف في الموعد المحدد (في الساعة الثانية يوم الإثنين 17 مايو)، ناقشني في تفاصيل الرسالة، وكنت قد قطعت فيها شوطا كبيرا في مصر، فأشار إلي بأن أقتصر في الدراسة على الكتب الثلاثة الأولى من قصيدة المقدمة، ولكنني كنت طموحا فأردت توسيع نطاق البحث ليشمل الكتب الثلاثة عشر كلها في النسخة التي كتبها عام 1805م، ثم أصبحت أربعة عشر كتابا في النسخة المنشورة في عام وفاته، عام 1850م، ووعدني بتوسيع نطاق البحث في مرحلة لاحقة، ولكنه طلب مني أولا أن أطلعه على نموذج من كتابتي، واقترح أن أقرأ كتابا وأعد له عرضا في ثلاثة آلاف كلمة، وآتي به في الأسبوع التالي. واستعرت الكتاب من المكتبة، وعدت به فرحا إلى المنزل إذ كان من الكتب النادرة التي طالما سمعت عنها وقرأت مقتطفات منها في غضون كتب أخرى دون أن أطلع عليها. وما إن دخلت غرفتي حتى انكببت عليه ألتهمه التهاما مستعينا بالمعجم الذي اشتريته بعشرة شلنات، حتى غلبني النعاس، واستأنفت القراءة في اليوم التالي فلم أذهب إلى الكلية، ولم أتوقف عن القراءة إلا لأداء الواجبات، ولكنني لم أنته من قراءته حتى اليوم الثالث - يوم الأربعاء - وعندها بدأت الكتابة.
كنت أعرف أن ذلك المقال - كما يسمونه (
essay ) - بمثابة اختبار لقدرتي على التعبير، فتعمدت التنميق والزركشة، محاكيا كتاب الملحق الأدبي لصحيفة التايمز (
TLS ) أو ما يسميه شكري عياد «التأنق في الأسلوب»، وكتبت عشر صفحات قدرت أنها تضم ثلاثة آلاف كلمة، وراجعتها بدقة، ثم أسرعت إلى الكلية، وكان ذلك يوم الخميس 20 مايو، فوضعت المقال في درج البريد الخاص بالأستاذ وخرجت.
كان الجو الصحو يغري بالسير في الحديقة، فسرت الهوينى أرقب الطيور والزهور وأتأمل أنواع الأشجار الأوروبية التي لا نألفها في مصر، وأنظر إلى صفحة الماء الساكنة، وأتطلع إلى السحابات التي لا تكاد تتحرك عند الأفق حتى بدأت تصطبغ بألوان الأصيل، فأيقنت أن اليوم يطوي صفحته، وأن علي أن أهرع عائدا لشراء بعض اللوازم المنزلية قبل أن تغلق المحلات أبوابها.
وعندما عدت إلى المنزل حدثني سامي عن رسالته، وكانت عن أثر الثقافة في تعليم اللغة الإنجليزية في مصر، وتحادثنا طويلا في الصعوبات التي تكتنف مناهج التعليم بسبب اختلاف المفاهيم، وعرض علي بعضا من النتائج التي توصل إليها، وما يتصوره من أساليب للتغلب على الصعوبات الثقافية، ووجدت الموضوع شائقا لكنني لم أفهم ما يعنيه بالنحو التحويلي
transformational grammar ، ولم أكن سمعت بعد عن تشومسكي وأوستن وسيرل (Chomsky, Austin, Searle) ؛ إذ لم تكن علوم اللغة الحديثة قد «وصلت» إلى مصر في تلك الأيام، فبدأت أسأل وهو يجيب حتى حان موعد النوم.
Page inconnue