فبعضهم يقول: إن النهي عن مثل (1) هذه الأمور، لا يوجب فساد العبادة الواقعة هي فيها، أو المتصفة بها، إذ هذه أمور خارجة (2) ومغايرة للعبادة، ولا دليل على استلزام فسادها لفساد العبادة، والامر يقتضي الاجزاء إجماعا ممن يعتد به.
وبعضهم يقول بفساد العبادة بفسادها، وكأن الوجه فيه: أنه يفهم من النهي أن عدم المنهي عنه من شرائط تحقق العبادة الشرعية، ووجوده مانع منه، فلا يمكن تحقق العبادة مع وجوده.
والحق أن يقال: إن العبادة إذا كانت بحيث قد علم من دليل شرعي جميع أجزائها وشرائطها وموانعها، ولا يكون هذا المنهي عنه شيئا منها، فالنهي حينئذ لا يقتضي فساد العبادة المقارنة للمنهي عنه، لما مر، وأما مع عدم ذلك فالظاهر أن المنهي عنه من موانع حقيقة العبادة شرعا، إذ جميع أجزاء العبادة وشرائطها وموانعها، إنما يعلم من الأوامر والنواهي، فليس لأحد أن يقول: إن النهي إنما يدل على حرمة المنهي عنه، وهو لا يستلزم فساد العبادة.
كما أنه ليس له أن يقول: إن الامر إنما يدل على وجوب المأمور به في العبادة (3)، ولا دلالة له (4) على جزئيته للعبادة، أو شرطيته.
ولو صح هذا القول، لا نسد طريق الاستدلال على بطلان الصلاة والصوم وغيرهما، بترك جل أجزائها وشرائطها كما لا يكاد (5) يخفى.
ثم لا يخفى عليك: أن مانعية المنهي عنه، إنما هو على تقدير اختصاص النهي بالعبادة، فلو علم أن النهي عن الشئ في عبادة إنما هو لأجل حرمة ذلك
Page 102