نالهم الخير بعد شر ... فالوقت بسط بلا انقباض
وعوضوا فرحة بحزن ... مذ أنصف الدهر في التقاضي
وسرهم بعد طول غم ... قدوم قاض وعزل قاض
فكلهم شاكر وشاك ... بحال مستقبل وماض قلت: بيتا رشيد الدين الفارقي خير هذه المقاطيع.
وكان كريما جوادا ممدوحا فيه ستر وحلم وعفو، وحكايته في ذلك مشهورة. ثم عزل بابن الصائغ ودرس بالأمينية إلى أن مات عشية نهار السبت سادس عشرين شهر رجب سنة إحدى وثمانين بالنجيبية النورية وشيعة الخلائق.
أنشدني من لفظه لنفسه شهاب الدين أحمد بن غانم كاتب الإنشاء يرثي قاضي القضاة شمس الدين:
يا شمس علوم في الثرى قد غابت ... كم نبت عن الشمس وهي ما [إن] نابت
لم تأت بمثلك الليالي أبدا ... إما قصرت عنه وإما هابت وكان وجيه الدين محمد بن سويد صاحبه وكان يسومه قضاء أشغال كثيرة ويقضيها، فحضر في بعض الأيام ورام منه أمرًا متعذرا فاعتذر، فقال: ما يكون الصاحب صاحبًا حتى يعرق جبينه مع صاحبه في جهنم، فقال القاضي: بلى يا وجيه الدين، صرنا معك قشلمشا وما ترضى. ويقال إنه عمل تاريخا للملك الظاهر ووصل نسبه بجنكزخان، فلما وقف عليه قال: هذا يصلح أن يكون وزيرًا، اطلبوه، فطلب وبلغ الخبر الصاحب بهاء الدين ابن حنا فسعى في القضية إلى أن أبطل ذلك، وناسى السلطان عليه، فبقى في القاهرة يركب كل يوم ويقف في باب القرافة ويمشي قدام الصاحب إلى أن يوصله بيته، وافتقر حتى لم يكن له غير البغلة لركوبه، وكان له عبد يعمل بابا ويطعمه، والشيخ بهاء الدين ابن النحاس يؤثره، ومع ذلك فلا يحنو عليه الصاحب ولا يحن إلى الإحسان إليه، حتى فاوضه الدوادار وقال له: إلى متى يبقى هذا على هذه الحالة فجهز إلى مكانه بدمشق على القضاء. وحضر إليه وهو بالقاهرة عز الدين
1 / 3