أمركم يا مولاي. (يخرج حسن وأياز.)
المشهد الثالث (السلطان وحده.)
السلطان :
هو على شيء من الحق. ولا لوم عليه في غير غيظه وسوء ظنه. فهو يسمح للوشاة فيقع في أشراكهم. أما إني أفرطت في ما وعدت به فهذا صحيح. إن مواد الشاهنامه هي في هذه القصص والأساطير التي جمعناها، أجل! إن المواد منا فهلا يستكثر الدينار الواحد بالبيت الواحد؟ بلى والله، هو كثير، كثير. الحق مع حسن وأياز. أما إن الفردوسي مسترفد لجوج شتام، فذلك لا يستغرب. هو في هذا مثل سائر الشعراء، ولكنه أعلاهم شعرا، وأحذقهم صناعة، وأصفاهم ذهنا، وأكثرهم علما. إذن استرفاده يغتفر، وإن اشتهاه حسن بسقر.
المشهد الرابع
في بيت الفردوسي بطوس (الفردوسي وحده.)
الفردوسي (يناجي نفسه) :
يسوفني العبد في باب السلطان ولا تسوفني أرباب القريض. أتطيعني القوافي، وتنقاد المعاني إلي، ويعصيني ذاك القابض على مفتاح الخزانة السلطانية؟ ثم يشيع أن جزائي سيكون فضة لا ذهبا؟ دراهم لا دنانير؟ وهل يخلف السلطان وعده؟ لم لا يردعه إذن؟ ولم لا يأمر في الأقل بقضاء حاجتي؟ فهل يخشى السيد عبده؟ إني أظن أن السلطان من رأي وزيره. ولا يجهر بذلك. وهل يجبن السلطان الغازي، يمين الدولة، وأمين الملة، هل يتنصل ويتذرع كالصعاليك؟ ما كان ليشغلني والله أمر سلطان أو وزير لولا هذا الوعد الذي وعدت؛ هذا الوعد المنوطة به آمالي، بل آمال طوس وأرضها، وما ضرهم وضرني إذا ما طلبت من حين إلى حين مائة أو مائتي دينار أقضي بها حاجات يومي لأستطيع أن أتمم عملي. وما عملي؟ عملي تخليد الملوك، نعم تخليد الملوك!
وهل يعيش كالصعلوك، مخلد الملوك؟ أأستدين ثم أستدين ثم أستدين؟ وماذا يبقى من مال السلطان بعد أن أدفع ديوني؟ ... مال السلطان؟ لا، وربي. بل مالي أنا، المال الموعود به. أما إذا أخلف السلطان، والله وبالله! وكيف أحقق حلمي أنا المحقق حلم السلاطين؟ أتموت أرض طوس ظمأ، وأنا الشاعر أحلم منذ صباي بأن أبني لها السد الذي فيه الحياة والخصب والسعادة؟ أتموت طوس ظمأ، ويموت الفردوسي جوعا، وهو يصوغ القوافي المخلدة لمجد إيران وملوكها؟
أطلب من اللئيم الجالس في باب الخزانة مائة دينار، فيرسل إلي عشرة دنانير - هذا إذا تلطف - أو لا يرسل شيئا. لولا الحاجة إليها، لوضعت كل دينار في بعرة جمل وأرجعتها إليه. ولكني صبرت كل هذه السنين على لؤمه، وما سخمت اليراع بهجوه. أما السلطان محمود، فإن بيني وبينه حسابا. إن كان من المخلفين إي وربي. فإن اليراع الذي خط آيات المجد يخط كذلك آيات السخط والنقمة. وفيها العار عليه والخزي والهوان.
Page inconnue