ولا تزال إلى اليوم فئة من الأغرار تنخدع بهذه النصائح، فتعكف على تناول طعام بعينه، حاسبة في ذلك نجاتهم وتوفر صحتهم، فتكون النتائج غير مرضية، أو - على الأصح - عكسية! ذلك أن الاقتصار على نوع واحد من الغذاء - بالغة ما بلغت فائدته وصلاحيته - يضر بنا إضرارا بليغا، فإن جسمنا الذي اعتاد أن يتغذى بالأطعمة المختلفة إذا اقتصر على غذاء بعينه حرم مواد مغذية ليست في هذا الغذاء، وأدخل فيه عناصر متراكمة من هذا الغذاء ليس هو في حاجة إليها. ومن هنا ينشأ الإسراف في إدخال عنصر - مهما بلغ نفعه - فهو ضار إذا تجاوز المقدار الكافي منه، وربما دفعهم اليأس - بعد ذلك - إلى نقيض ما فعلوا، فأسرفوا في الخلط بين المآكل العديدة، واندفعوا في أكل الأطعمة المختلفة، ولكن:
بين إسراف وبخل رتبة
وكلا الأمرين - إن زاد - قتل!
ومن غرائب الأمور أن الكيميائي البارع - الذي كرس حياته لدراسة طبائع الأغذية - يكاد يحجم عن وصف طعام لك، بينما يندفع الجهلاء وأنصاف الجهلاء إلى تقرير ما يصلح لك من الطعام بلا تردد!
وإننا لنسجل بالإعجاب قول أحد العلماء الكيميائين - وهو تصريح له خطره وأهميته - قال: «قبل ستة أعوام، لم أكن قد تعمقت في درس الغذاء، فكنت إذا استشارني إنسان في نوع الغذاء الذي يصلح له؛ أجبته عنه بلا تردد، أما الآن - بعد أن أطلت البحث، والعمل بجد ونشاط، ووقفت على خصائص الأغذية، ومزايا كل نوع وأضراره؛ فقد وصلت إلى نتيجة أخرى، هي اقتناعي بعجزي وقصوري التامين عن وصف أي طعام لأي إنسان.
وكل ما وصلت إليه من الحقائق؛ هو أنني - وغيري - جاهلون جهلا لا شك فيه بتخير الطعام الذي ننصح لك بتناوله بأكله. •••
أذكر لك حكاية صديق آخر، لا عمل له إلا الاشتغال بتحليل الأطعمة ووصف ما يصلح للمرضى منها وما لا يصح، فقد أصابه ذات يوم مرض، فذهب إلى الطبيب العلامة «هوبكنز»، فماذا قال له الطبيب؟ قال له: «إن كل أعضائك سليمة، وليس عليك - إذا شئت الشفاء - إلا أن تقلل من أكلك، أو تكثر من النزهة، فإنك إن فعلت واحدا من هذين نجوت وسلمت!»
وقد اتبع نصيحة الطبيب، واستفاد منها كثيرا، وأصبحت صحته على أتم ما يرام.
فإذا كان المشتغلون بكيمياء الطعام وتحليله، ووصف ما ينفع الناس منه وما لا ينفع، عاجزون عن اختيار ما يلائمهم منه، فإن غيرهم من الناس أعجز! •••
وموجز القول: أن في كل نوع من الأغذية مزايا وأضرارا، وأن الأطعمة المختلفة يتمم بعضها بعضا؛ فإن في كل طعام من المزايا ما ليس في الآخر، وأن تعود الجسم على تناول أطعمة بعينها يكسبه مرانة على هضمها، فإذا تركها فجأة وعدل عنها إلى نوع آخر من الطعام - لم يألفه - أضر به ذلك العدول، وإن أكثر الأطباء لا يعنون بتحري الدقة في أقوالهم إذا تكلموا عن الغذاء، وأنهم لو أرادوا الدقة لما وصفوا أي نوع من الأغذية، فإن اللبن وهو أصلح الأطعمة - في زعمهم - ناقص يحتاج إلى ما يكمله، وقس على ذلك غيره مما لا يتسع المقام للإفاضة في شرحه، ولقد كان الموز يعتبر - منذ زمن قريب - أخطر نوع من الغذاء للأطفال.
Page inconnue