فقد لفت نظر هذا العالم الكبير واسترعى انتباهه ما رآه بين كوكبي المريخ وعطارد من الفراغ الهائل، الذي هو أشبه بهوة عميقة، أو قل - إن شئت - إنه فراغ غير طبيعي لا تبرره قوانين الفلك، ولا تجيزه نظم المجموعة الشمسية، وهذا الفراغ قد كان بلا شك مشغولا بكوكب، فلما زال منه بقي مكانه فارغا، وأصبح هذا الفراغ دليلا عليه! ويعزز هذا ما يراه الفلكيون من تلك النجمات العديدة التي تحيط بهالة الشمس وتدور حول نقطة بعينها في هذا الفراغ، مما يدل دلالة صريحة على أن كوكبا كان يحتل هذه البقعة التي كانت تلك النجمات تدور حوله، فلما اختفى ظلت تلك على حالها من الدوران دالة على ذلك الكوكب البائد الذي أدركه البوار في هذا المكان، على أن ثمت كثيرا من البقايا والأجسام يزيدنا وجودها اقتناعا ما أسلفناه من القول. وقد اكتشف الدكتور «ألتر» كثيرا من هذه القطع النجمية - كما اكتشف الباحثون نحو «1200» قطعة منها - فاستدل الدكتور بعد فحص دقيق أن ذلك الكوكب المفقود قد كان أكبر من عطارد، وأصغر من المريخ بكثير. (2) ما سبب انفجار الكوكب؟
ولكن ما الذي سبب له الدمار وأدى به إلى هذه النتيجة؟ يعلل الدكتور سبب حدوث ذلك بأن العوامل التي انتهت بهذا الكوكب هي نفسها العوامل الهدامة الدائبة على إبادة كل فرد من أفراد هذه المجموعة الشمسية!
لا جرم أن الإنسان يعلم أن كل جسم - مهما بلغت صلابته - تمدده الحرارة وتقبضه البرودة، وقد كانت الأرض - كما كانت الكواكب الأخرى - نارا متأججة، ثم بردت تلك الكتل النارية الحامية على مر العصور والأزمان، فانقبضت شيئا فشيئا بسبب ما اعتورها من البرودة، وبدهي أن السطح يبرد أسرع من الجزء الداخلي، ومن هنا تنقبض تلك القشرة الباردة المتقلصة انقباضا شديدا على الجزء الداخلي من الأرض، وينجم من هذا الانقباض الشديد ضغط شديد في الداخل، وكلما زاد عمر الأرض - أو الكوكب - زاد حجم السطح البارد، ومن ثم زاد ضغط سطحه على أوسطه حتى يبلغ الضغط أقصاه!
ولو أن مادة السطح الصلب مادة مرنة - كالمطاط مثلا - لتمددت وامتطت، فساعد ذلك على مطاوعة الجزء الداخلي وتلافي الضغط عليه، ولكن الأمر على عكس ذلك، وهذا هو السبب في تشقق السطح، ولا يزال الزمن يكر؛ فيقدم عمر الكوكب ويبرد سطحه، فيضغط على وسطه فيتشقق، ثم تزداد الشقوق على توالي الدهور حتى تصبح هوات عميقة، ثم تزداد هذه الهوات اتساعا وعمقا حتى تصل إلى الأعماق، وهنا يتصدع الكوكب ويتحطم كله إلى الأبد! (3) كيف انفجر الكوكب؟
وقد هدتنا التجاريب الفلكية والدراسات الدقيقة للأفلاك والكواكب إلى الطريقة التي انفجر بها ذلك الكوكب البائد؛ فقد بدأ تحطمه بانقسامه إلى أربعة أقسام كبيرة، ثم اعتور كل جزء من هذه لأجزاء الأربعة مع اعتور الكوكب الأصلي من قبل، ومر بكل تلك الأطوار التي أسلفناها، وحدث لها ما حدث لابنها الأول من الدمار، وربما كان تحطيمها على نفس الطريقة السابقة!
قال الدكتور «ألتر»:
ولو أن الناس عاشوا قبل مصرع هذا الكوكب، وشاهدوا انفجاره في ذلك الوقت لما سمعوا له فرقعة، ولا أحسوا له صوتا، ذلك أن الصوت يحمله الهواء! وليس في ذلك الفضاء هواء يحمل صوت انفجاره إلينا، وكل ما يشاهده الناس من هذا الانفجار الهائل ضوء لامع منه، ومن المكن جدا أن تصبح أجزاء هذا الكوكب «نجيمات» صغيرة في أجواز الفضاء.
ومما يجدر ذكره أن فرقعة ذلك الكوكب لم تحدث تغيرا في سير الكواكب الأخرى، ولا في العلاقة التي بين كل منها والآخر، فإن الجاذبية التي كانت في الكوكب البائد هي - على عظمتها - غاية في الحقارة والضؤولة بالقياس إلى المجموعة الشمسية.
وإذا كان هذا الكوكب بعيدا عن الشمس بمقدار ثلاثة أمثال بعد الأرض عنها، وكان يصل إليه من حرارتها مقدار يعدل ثمن ما يصل إلينا، فإن أكبر الشك أن مظاهر الحياة لم يكن لها وجود فيه، على أنها لو وجدت لما بقي لها أقل أثر بعد تحطمه وانفجاره. (4) آخرة القمر
ثم يقول الدكتور «ألتر»:
Page inconnue