218

آراء القرطبي والمازري الاعتقادية

آراء القرطبي والمازري الاعتقادية

Maison d'édition

دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع

Numéro d'édition

الطبعة الأولى

Année de publication

١٤٢٧ هـ

Lieu d'édition

مكة المكرمة - المملكة العربية السعودية

Genres

وقال ابن القيم: "إن هذا المقدور قدر بأسباب، ومن أسبابه الدعاء، فلم يقدر مجردًا عن سببه، ولكن قدر بسببه، فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور، وهكذا، كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء، وقدَّر حصول الزرع بالبذر ... فالدعاء من أقوى الأسباب، فإذا قدَّر وقوع المدعو به بالدعاء لا يصح أن يُقال لا فائدة في الدعاء، كما لا يقال لا فائدة في الأكل والشرب، وجميع الحركات والأعمال، وليس شيء من الأسباب أنفع من الدعاء، ولا أبلغ في حصول المطلوب" (^١).
وهذا هو الذي قرَّره القرطبي، فردَّ على المعتزلة والصوفية فيما ذهبوا إليه في مسألة الدعاء إذ قال عند شرحه لحديث الرسول ﷺ الذي دعا فيه ﵇ بنقل الحمى من المدينة إلى الجحفة (^٢): "هذا وما في معناه من أدعية النبي ﷺ التي تفوق الحصر حجة على بعض المعتزلة القائلين: لا فائدة في الدعاء مع سابق القدر، وعلى غلاة الصوفية القائلين: إن الدعاء قادح في التوكل، وهذه كلها جهالات لا ينتحلها إلَّا جاهل لظهور فسادها وقبح ما يلزم عليها" (^٣).
المطلب الرابع: الاحتجاج بالقدر على المعاصي:
إن الاحتجاج بقدر الله تعالى على الوقوع في المعاصي، واقتراف المنكرات مذهب باطلٌ شرعًا وعقلًا، وهو حجة المشركين الذين قال الله تعالى عنهم: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا

(^١) الجواب الكافي ص (٩).
(^٢) رواه البخاري في كتاب فضائل المدينة باب (١٢) ح (١٨٨٩) (٤/ ١١٩) ومسلم في كتاب الحج باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها ح (١٣٧٦) (٩/ ١٥٨).
(^٣) المفهم (٣/ ٤٩٣).

1 / 240