الفصل السادس
زواج الملكة
قلنا في فصل سابق إن الملكة رأت البرنس ألبرت ابن خالها آرنست، وأحبت أن تقترن به ولكنها لما تربعت في سرير الملك شغلتها مهامه عن الزواج، فكتبت إلى خالها ليوبولد ملك البلجيك أنها صرفت فكرها عن الزواج حينئذ، وأنها لا تقدر أن تهتم به قبل بضع سنوات، وبلغ البرنس ألبرت ذلك فقال لخاله إنني أنتظرها كما تريد إذا كنت واثقا أنها تقترن بي بعد ذلك، ولكنني لا أريد أن أنتظرها بضع سنوات ثم أجد أنها عدلت عن الزواج فأصير هزءا في الدنيا ومضغة في أفواه الناس.
وحدث في تلك الأثناء أن استعفت وزارة ملبرن لأنها غلبت في مجلس النواب، فحزنت الملكة من جراء ذلك واستدعت دوق ولنتن ليشكل وزارة جديدة، وأخبرته بحزنها على استعفاء الوزارة القديمة ولا سيما على استعفاء رئيسها لورد ملبرن لما كانت تراه فيه من صدق النصح ولين العريكة، فسر ولنتن بما أبدته له من حرية الضمير، وقال لها إنه لا يستطيع أن يشكل وزارة لكبر سنه وضعف سمعه، ولكنه نصح لها أن تستدعي السر روبرت بيل وتطلب منه تشكيل الوزارة، فكتبت تدعوه إليها فحضر وقبل بتشكيل الوزارة الجديدة، واقترحت عليه أمورا أجراها حالا لكنه قال لها إنه لا بد من إبدال بعض السيدات القائمات على خدمتها بغيرهن من السيدات اللواتي حزبهن السياسي لا يخالف حزبه؛ لكي لا يعرقلن مساعيه فأبت عليه ذلك وأصرت على الإباءة، فقال لها إنه يستشير إخوانه في هذا الأمر وانصرف وهو يرى أن تشكيل الوزارة على تلك الحال ضرب من المحال، فعادت وزارة ملبرن إلى منصة الأحكام والأمة غير راضية عنها وكثر القيل والقال بسبب ذلك.
وبلغ الملك ليوبولد ومشيره البارون ستكمار ما جرى فرأيا أن الملكة أمست في مركز حرج أمام وزرائها، فلاما لورد ملبرن وبادرا إلى رفء الخرق قبل اتساعه، وحسبا أن لا بد للملكة من مشير حكيم يخلص لها النصح، وتجد من نفسها ارتياحا إلى اتباع مشورته، وكان البارون ستكمار واثقا أنها إذا رأت البرنس ألبرت حينئذ تذكرت ماضي حبها له ودعته ليكون زوجا لها وشريكا في السراء والضراء، فأتى البرنس ألبرت وأخوه البرنس آرنست إلى بلاد الإنكليز فرحبت بهما، ولما وقع نظرها على البرنس ألبرت، وكان قد صار رجلا بارع الجمال تلوح في وجهه مخائل النجابة والهمة، كتبت إلى خالها الملك ليوبولد في اليوم التالي تقول إن جمال ألبرت يفوق الوصف، وهو على جانب عظيم من الأنس والطلاقة، وهو وأخوه غاية في الدعة وأنس المحضر، وقد سرني مجيئهما إلى هنا.
والقوانين المتبعة في بيوت الملك تقضي أن تكون الملكة هي البادئة في مخاطبة من تريد الاقتران به فدعته إليها بعد أيام قليلة، وسألته عما إذا كان يريد أن يقاسمها أفراح الحياة وأحزانها فأجابها بالإيجاب، وكتبت ذلك اليوم إلى خالها تقول:
خالي الأعز
لا بد من أنك تسر بكتابي هذا؛ لأنك كنت دائما تعرب عن سرورك واهتمامك بكل ما يختص بي، قد صممت النية الآن على الاقتران بألبرت وأخبرته بذلك وسررت جدا بما بدا منه من دلائل الحب الصادق، وإني أراه عين الكمال وأعتقد أني سأكون سعيدة به، وسأبذل جهدي لأخفف عليه الخسارة التي سيخسرها لأجلي، وأراه شديد الدربة وذلك لازم جدا لمن كان في منصبه، وقد مرت هذه الأيام القليلة كأنها أحلام، وتركتني مضطربة في أمري حتى لا أدري كيف أكتب إليك، ولكنني مسرورة جدا، ولا بد من كتم هذا الخبر فلا تخبر به أحدا إلا خالي آرنست (أبو البرنس ألبرت) حتى يجتمع البرلمنت، وإلا حسب عدم جمعي البرلمنت واطلاعه على هذا الأمر إهمالا مني.
وقد استشرت لورد ملبرن في كل شيء فصوب رأيي وأظهر السرور التام، وجرى في هذه المسألة كما جرى في غيرها باللطف التام، واستحسنا أنا وألبرت أن يكون اقتراننا في أوائل فبراير (شباط) المقبل بعد اجتماع البرلمنت.
وختمت كتابها بعد أن أباحت له أن يخبر البارون ستكمار بذلك فأجابها في الرابع والعشرين من الشهر بما ترجمته:
Page inconnue