Les Fondations Culturelles des Nations : Hiérarchie, Alliance, et République
الأسس الثقافية للأمم: الهرمية والعهد والجمهورية
Genres
الفصل الخامس
الأمم العهدية
بالنسبة إلى الحداثيين، فإن الأمم والقومية ظهرتا في أواخر القرن الثامن عشر وليس قبل ذلك على أقصى تقدير. وحتى إذا لم يقبلوا رأي إيلي كادوري الذي يقول إن أيديولوجية القومية بدأت مع الرومانسيين الألمان، لا سيما فيشته في كتابه «خطابات إلى الأمة الألمانية» (1807-1808)، فإن كثيرا منهم سيرجع نشأة القومية إلى الثورة الفرنسية، وأعقاب الثورة الأمريكية، والتقسيم الأخير لبولندا. ورغم ذلك، عندما يتعلق الأمر بنشأة الأمم وظهورها، فإن الحداثيين يبدون قدرا أكبر من الغموض. إذا كانت القومية والدولة هما سبب تكون الأمم كما يقول جيلنر وهوبزبوم، فلا بد من إرجاع تاريخ نشأتها إلى القرن التاسع عشر على نحو قاطع، بل ربما لفترة لاحقة. أما إذا كان يعتقد أن الأمم تتكون على مدار فترة زمنية أطول، فمن الأفضل النظر إليها باعتبارها نتاجا لظروف أوروبا الغربية في القرن الثامن عشر؛ تلك الظروف التي تشمل المنافسة التجارية والعسكرية بين دول أوروبا وتكون الاتحادات البرجوازية وجماهير القراء في معارضة متزايدة للدولة الاستبدادية البيروقراطية.
1
يثير موضوع «الهوية القومية» أسئلة جديدة. وفي هذا الصدد، ينقسم الحداثيون؛ فيميل بعضهم إلى اعتبار كل ما سبق القرن الثامن عشر، بما في ذلك أي أدلة على وجود شعور قومي، غير ذي عواقب على تكوين القومية والأمم في فترة لاحقة، والسبب في ذلك أن الأمم في الأساس نتاج للثورة العلمية والثورة التكنولوجية المرتبطتين بأوائل عصر التصنيع. أما البعض الآخر، فإنهم على الرغم من قبول هذا الموقف العام، يقرون بوجود الأفكار والمشاعر القومية في الفترات السابقة للحداثة، لكنهم يعتبرونها وصفية ومفتقرة كثيرا إلى النشاط السياسي المميز للقوميات اللاحقة. ولا يظهرون استعدادا لقبول وجود قدر أكبر من المشاعر القومية المستمرة والمنتشرة في فترة ما قبل الحداثة إلا في حالة واحدة أو حالتين، أبرزهما هي إنجلترا في بداية عصر الحداثة. في حاشية سفلية لكتاب «الأمم والقومية»، يقر إرنست جيلنر ب «الظهور المبكر للشعور القومي في إنجلترا» قبل قرنين من ظهور التصنيع، وفي رأيه أن هذا ربما يكون نتيجة لظهور الفردية وروح الحراك الاجتماعي. وبالمثل، فإن إريك هوبزبوم في كتابه «الأمم والقومية منذ عام 1780» بعد إخبارنا أن روابط «الأمم الأولى» المتمثلة في الأرض واللغة والدين ليست مرتبطة «بالضرورة» بظهور الدولة القومية الإقليمية الحديثة، يقر بأن الانتساب إلى دولة تاريخية، كما هي الحال في روسيا وصربيا، قد يؤثر مباشرة «على وعي الناس العاديين لتكوين قومية بدائية، بل ربما لتكوين شيء قريب من الوطنية الحديثة، كما في حالة إنجلترا في عهد أسرة تيودور.»
2
في هذا الفصل، سوف أوضح أنه في بعض أجزاء من أوروبا في أوائل عصر الحداثة نشهد ظهور الإحساس بالهوية القومية لدى النخبة (وليس فقط في الدول الهرمية)، وكذلك ظهور شعور قومي أوسع نطاقا لدى «الطبقة الوسطى» في حالات قليلة. ثانيا: أود أن أقدم فكرة أكثر تحديدا تتمثل في أن هذه الفترة قد شهدت ظهور شكل من القومية الأيديولوجية ساعد بدوره في ترسيخ كل من هوية ومجتمع الأمة. (1) الهويات القومية في أوائل عصر الحداثة
رأينا بالفعل بعض الأدلة على وجود إحساس محدود بالهوية القومية بين النخب قائم على كل من الأساسيات العرقية الدينية والسياسية، لا سيما في دول أوروبا الغربية. وعادة ما يستشهد بالنموذج الألماني كمثال أولي على عدم وجود أي إحساس بالهوية القومية، بل عن استحالة وجود تلك الهوية حتى القرن التاسع عشر. ولا يبدو أن السكان الذين لديهم عدد هائل من اللغات المحلية، بالإضافة إلى اللهجات والمؤسسة الإمبراطورية التي اضمحلت قوتها سريعا بعد موت فريدريك الثاني، يتمتعون بالحس المجتمعي المطلوب كي يشعر المجتمع أنه أمة. رغم ذلك، حتى في هذه الأجواء غير المبشرة، أوضح لين سكيلس أنه كان ثمة إحساس بين الطبقات المتعلمة في القرنين الرابع عشر والخامس عشر بالهوية الألمانية بين متحدثي اللغة الألمانية مرتبط بإمبراطورية ذات جذور ألمانية على وجه الخصوص. حتى قدماء الإيطاليين أشاروا إلى أتباع الأباطرة السكسونيين والساليين بالتوتونيين والتيوتونيين، ومع نزاع التنصيب ومبدأ نقل قيادة الإمبراطورية الرومانية المقدسة إلى الألمان بإذعان من البابا، وهو المبدأ الذي صاغه البابا إينوسنت الثالث في مرسوم «فينرابيلم» أي «إلى أخي المبجل» (1202)، أصبح مقبولا على نحو كبير وجود إحساس بالهوية الألمانية المرتبطة بالإمبراطورية الألمانية المسيطرة وعزز تلك الهوية الأدب الغنائي الألماني المعروف باسم «مينيسانج». ودعم هذا الارتباط أسطورة الأصل الطروادي لكل من الفرنجة والشعب الألماني ككل لاحقا. ووفقا لسكيلس، فإن الطابع العرقي للإمبراطورية يمكن العثور عليه في الوثائق المأخوذة من خزانة الوثائق الإمبراطورية، بل أيضا في «الوقائع والحوليات المكتوبة بالعامية واللاتينية، وفي الأغاني السياسية والنثر السياسي اللذين كان القرنان الثالث عشر والرابع عشر يزخران بهما.» ورغم ذلك، فإننا نجد في الأطروحات والمنشورات والكتيبات السياسية في تلك الفترة تعبيرا كاملا عن العرقية الألمانية المشتركة، حتى مع تدهور السلطة الألمانية المركزية، وكان كتاب تلك الوثائق ينتمون عادة إلى الأقاليم والطبقة الوسطى. وفي ظل هذه الثقافة السياسية، ظهر الإحساس بالهوية الألمانية والهوية السياسية، حتى في غياب سلطة موحدة حقيقية. وبحلول القرنين الخامس عشر والسادس عشر، لا سيما بعد استعادة مخطوطة كتاب «جرمانيا» لكاتبه تاكيتوس، استطاع أتباع النزعة الإنسانوية أمثال كونراد سيلتس وأولريش فون هوتن ولورنس فريس أن يمدحوا أصالة ونقاء اللغة الألمانية وتفوق الثقافة الألمانية، وربطوا كلا الأمرين بالماضي الإمبراطوري الألماني المجيد.
3
في أوروبا الشرقية أيضا توجد أدلة على المشاعر القومية المتقدة، على الأقل بين الطبقات الحضرية المثقفة. في بوهيميا، أدت الحرب المناهضة للهوسيين إلى إظهار المشاعر القومية لشعب التشيك. وفي أوائل القرن الخامس عشر، أصبح ربط بوهيميا بالأرض المقدسة وربط التشيكيين بالأمة المقدسة مكونا جوهريا في الحماس الإصلاحي الذي تبناه الهوسيون، وهو الارتباط الذي عبر عنه المعلم جيروم الذي يعمل أستاذا في جامعة براغ عام 1409 بالألفاظ التالية: «أمة بوهيميا المقدسة»، «الأمة المقدسة»، «المجتمع المقدس». وبلغ هذا الأمر ذروته في دعوة التشيكيين عام 1420 «للاحتشاد من أجل الدفاع عن مملكة بوهيميا «الأكثر مسيحية»، مدعومين من قبل ظهيرهم القديس فينسيسلاوس.»
Page inconnue