Les Fondations Culturelles des Nations : Hiérarchie, Alliance, et République
الأسس الثقافية للأمم: الهرمية والعهد والجمهورية
Genres
29
هل يمكننا الحديث عن مجتمع قومي «متجدد»، لكنه صغير ومحفوف بالمخاطر، على الرغم من هذا الدليل الذي يشير إلى مجتمع عرقي مزدهر محدد من الناحية الدينية والشعائرية، مجتمع استمر يجمع وينظم أساطير الأصل والتاريخ العرقي المقدس ويسن الشعائر باللغة العبرية المقدسة؟ للأسف، لا توجد أدلة كثيرة تشير إلى الفترة الفارسية وبداية الفترة الهلينستية، باستثناء استنباطات من أواخر عهد الفريسيين إلى أوائل عهد رجال الكنيس العظيم. ولا يمكننا البدء في إدراك سمات المجتمع القومي - رغم كونه مجتمعا مقسما وخاضعا لضغوط متصارعة - إلا مع الانقسام بين اليهود الهلينستيين والحسيديين في أورشليم في عهد السلوقيين في أوائل القرن الثاني قبل الميلاد، وثورة المكابيين اللاحقة عام 167 قبل الميلاد على الظاهر أنطيوخوس الرابع إثر محاولاته الضالة للنيل من الاتساق الديني والثقافي من خلال ترسيخ عبادة زيوس في الهيكل. ونظرا لأن اليهود كانوا يدورون في فلك التوحيد، والتوراة، والهيكل، وبدءوا يعرفون معنى الانتماء إلى اليهودية في ضوء الجانب الديني والجانب الطقسي، فقد أصبح اليهود يعتبرون على نحو متزايد أمة منفصلة لها ما يميزها من ثقافة عامة وقانون ولغة وأرض، على الرغم من أنهم تشاركوا في جوانب كثيرة من ثقافتهم المادية مع العالم الهلينستي من حولهم.
30 (6) هل من أمم في العصور القديمة؟
من واقع تلك الدراسة البالغة الإيجاز لحالات مختارة من الهويات الجمعية الثقافية والسياسية والمجتمعات في العالم القديم، يمكننا الآن أن نتساءل إلى أي مدى كان الإحساس بالانتماء العرقي المشترك سائدا، وهل كان من المنطقي الحديث عن «الأمم» في العصور القديمة. في هذا الصدد، لا يسعني سوى طرح بعض الاستنتاجات المؤقتة:
أولا: يبدو أن أكثر أشكال الهويات الثقافية والسياسية الجمعية شيوعا وانتشارا - فوق مستوى العشيرة والقرية - كانت الدولة المدينة والاتحاد القبلي. حتى الهويات الإمبراطورية نشأت في أحد هذين النوعين من المجتمعات (الدول المدن في بلاد الرافدين والتجمعات القبلية في حالة الميديين والفرس) وظلت تعتمد على هذين الأساسين. وتمثل مصر استثناء جزئيا من هذا التعميم، على الرغم من أن مدنا مثل منف وطيبة لاحقا كانت أساسا لقيام أسر متعاقبة.
ثانيا: ما لم يتبن المرء تعريفا لمفهوم «القبيلة» يجعلها مساوية لمفهوم المجتمع العرقي أو «الجماعة العرقية»، فسنجد أن الروابط العرقية نادرا ما كانت أساسا لمجتمع كامل وحصري في العالم القديم. بل نجد أنها تتضافر عادة مع كل أنواع الهويات والمجتمعات الثقافية والسياسية. بالإضافة إلى ذلك، في أغلب الأحيان، يبدو أن الآخرين هم من كانوا ينسبون العرقية لغيرهم من الشعوب، ولم تكن تلك الشعوب تنسبها لنفسها بالضرورة، كما في حالة الدول المدن «الفينيقية» التي تعرضنا لها سابقا.
ثالثا: عندما تكون الروابط العرقية واضحة، يمكننا أن نميز ثلاثة مستويات للمجتمع؛ في المستوى الأول، الذي أطلقت عليه «الفئة العرقية» في الفصل الثاني: نجد تجمعات غير مترابطة لديها بعض ممارسات ثقافية متشابهة من منطقة معينة، فئة إقليمية وثقافية لها اسم سجله الغرباء، مثل الجوتيين واللولوبيين الذين ساعدوا في الإطاحة بسلالة أور السومرية نحو عام 2000 قبل الميلاد. وفي المستوى الثاني، الذي وصفته ب «الشبكة العرقية»: فإن تلك المجموعات التي تتمثل عادة في قبائل أو دول مدن، تكون مجالا من النشاط الثقافي يظهر قدرا من التشارك الثقافي، لكنه نادرا ما يظهر أي وحدة سياسية، وفي هذا الصدد أشرت إلى الاتحادات القبلية الآرامية والدول المدن السومرية. وليس من السهل دائما التمييز بين الشبكات العرقية والفئات العرقية، لكن على النقيض من الفئات العرقية، فإن أفراد النخبة في الشبكات العرقية يميلون إلى امتلاك أساطير الأصل المشترك والذكريات المشتركة، وربما قليل من التضامن.
أعتقد أن ما يميز «الجماعة العرقية» هو تطوير ذكريات مشتركة لتأخذ صورة «تاريخ عرقي» مركب من النوع الذي نجده في اليونان القديمة، في كتابات هيرودوت وثوسيديديس، وكذلك في إسرائيل القديمة. في حالة اليونان القديمة، على الرغم من تأثيرات القوى المناهضة للولاء للدول المدن، كانت المجتمعات الناطقة بالإغريقية والعابدة لآلهة الأوليمب تدرك صلة قرابتها وأساطير السلف المشترك الخاصة بها (على الرغم من الاختلافات الكثيرة بين تلك الأساطير)، وكانت تفتخر باختلافها عن «البربريين» من غير الإغريق، وتفوقها عليهم، وهذا أمر ميز على نحو واضح مستعمراتها عن جيرانها من شعوب البحر المتوسط. لهذا السبب، حذا موزيس فينلي حذو ماينيكه وأطلق على الإغريق مصطلح «أمة ثقافية» - وهو وفق مصطلحاتي يعني «مجموعة عرقية» تجمع بينها أساطير السلف المشترك، والذكريات التاريخية المشتركة، وثقافة مشتركة، وقدر من التضامن - بسبب عدم وجود وحدة سياسية وإقليمية. وتنطبق اعتبارات مماثلة على بني إسرائيل. ذات مرة، قضت مواجهة الهجمات الفلسطينية على انشقاق القبائل الإسرائيلية، لكن بعد أن تخلص الملك داود من هذا التهديد، عاودت الخلافات الظهور بين القبائل الشمالية والقبائل الجنوبية وانقسمت مملكة إسرائيل. ومع ذلك، لم يؤد هذا إلى تدمير الروابط الثقافية الوثيقة بين القبائل، ودون تاريخ مملكة إسرائيل جنبا إلى جنب مع تاريخ مملكة يهوذا، وضمن كلاهما في سفري الملوك الأول والثاني.
31
لكن أخيرا، هل يمكننا الحديث عن وجود «أمم» في العالم القديم؟ هل يمكن أن نلاحظ على الأقل بعضا من العمليات المحفزة لتكوين مجتمعات شبيهة بالنوع المثالي للأمة؟ إذا قبلنا التعريف الذي طرحته في الفصل الأول الذي عرف الأمة بأنها مجتمع بشري له اسم ووصف ذاتي يكون أفراده أساطير، وذكريات ورموزا، وقيما، وتقاليد مشتركة، يقيم في موطن تاريخي، وينشر ثقافة عامة، ويراعي قوانين وعادات مشتركة؛ فإنني أعتقد أننا يمكن أن نبين أن بعض هذه العمليات الأساسية كانت فاعلة، وأنه في حالات قليلة للغاية شجعت تلك العمليات تكون الأمم، على الأقل في بعض فترات من وجودها. ومن أجل هذا، يمكن تناول أربع حالات من العالم القديم؛ ثلاث إمبراطوريات ومملكة: الإمبراطورية الآشورية الجديدة، والإمبراطورية الفارسية، والإمبراطورية المصرية القديمة، ومملكة يهوذا، التي أصبحت لاحقا مملكة يهودية الرومانية.
Page inconnue