117

ووجه ذلك أنه على الأول لا ينحصر مقدمة الواجب أعني ترك التصرف في المصب في ترك الصب ، فيكون تركه واجبا تخييريا ، بمعنى أن للمكلف أن يفعل الصب ويتوصل إلى الترك الواجب بفعل الإمساك ويكون هو الواجب التعييني حينئذ ، وبالجملة ففعل الصب خال عن النهي ، فلا يمتنع أن يمتثل به الأمر الوضوئي.

نعم لو كان حين الصب عازما على ترك الإمساك بعده كان متجريا وبطل وضوئه ، لا من جهة قبح نفس الصب ، بل لأن الفاعل يصير حينئذ قبيحا في نظر المولى ، والعبادة لا بد أن يجعل فاعلها حسنا في نظره ، وهذا بخلاف الصورة الثانية ؛ فإن ترك الصب هناك يكون واجبا تعيينيا لفرض عدم وجود مقدمة اخرى بعد فعل الصب حتى تصير هي المتعين بعده ، فلهذا يمتنع أن يكون فعل الصب مأمورا به ومقربا.

فلا يرد عليه قدسسره أن صب الماء ليس علة تامة للغصب حتى يحرم بحرمته بل هو من المقدمات ، وما هو كذلك لا يجب تركه شخصا حتى ينافي الوجوب ، وحاصل الجواب أن صب الماء وان لم يكن علة إلا أنه بعد انحصار المقدمات المقدورة فيه كما هو المفروض يجب تركه عينا.

فإن قلت : ليس المقدور منحصرا في الصب ، بل الكون في المكان المخصوص أيضا من المقدمات وهو باق تحت قدرة المكلف ، فلم يثبت حرمة صب الماء عينا.

قلت : ليس الكون المذكور من مقدمات تحقق الغصب في عوض صب الماء ، بل هو مقدمة لتحقق الصب الخاص الذي هو مقدمة تحقق الغصب ، والنهي عن الشيء يقتضي النهي عن أحد الأفعال التي هي بمجموعها علة لذلك الشيء ؛ فإذا انحصر المقدور من هذه الأفعال في واحد يقتضي حرمته عينا.

ثم لو عرض على واحد من التروك التى أحدها مقدمة للترك المطلوب حرمة تعيينية زال الوجوب التخييري عنه ويعين في الباقي ، كما هو الحال فيما لو كان الواجبات التخييرية أفعالا وعرض على واحد منها الحرمة التعيينية.

فما ربما يتوهم في باب اجتماع الأمر والنهي بناء على عدم جواز اجتماعهما مع كون

Page 120