مقدمة
1 - علم الأخلاق
2 - المذاهب
3 - الشعور
4 - الشعور
5 - الفضيلة الأدبية والقانون
6 - الضمير أو الوجدان
7 - الواجب
8 - النظر في الفضائل بالتفصيل
9 - تكوين الفضائل النفسية أو التربية الأدبية
Page inconnue
10 - العادات وتكوينها
11 - نظام المدرسة
مقدمة
1 - علم الأخلاق
2 - المذاهب
3 - الشعور
4 - الشعور
5 - الفضيلة الأدبية والقانون
6 - الضمير أو الوجدان
7 - الواجب
Page inconnue
8 - النظر في الفضائل بالتفصيل
9 - تكوين الفضائل النفسية أو التربية الأدبية
10 - العادات وتكوينها
11 - نظام المدرسة
أصول الأخلاق
أصول الأخلاق
تأليف
ي. دني
ترجمة
إبراهيم رمزي
Page inconnue
مقدمة
لا أظن أن في عالم الأدب العربي المصري كتابا في علم الأخلاق الحقيقي. نعم إن هناك أشياء كثيرة في هذا المنحى وضعها أصحابها في علوم السلوك والواجبات وفي النصائح، ولكنها ليست - في الواقع - من باب العلم الذي هو المعرفة المبوبة المقسمة تبعا للطريقة العلمية. ولذا اضطررت أن أترجم عن الإنكليزية هذا الكتاب على صغره بشيء ضئيل من التصرف ليكون بمثابة الكتاب الأول في علم الأخلاق، حتى إذا عن لفاضل من كتابنا أن يكتب، كان كتابه أشمل من موضوع مترجمي هذا لهذا العلم الذي هو في الواقع أساس علم الاجتماع والقانون.
على أني أريد أن أنبه هنا إلى أن مؤلف الكتاب الأستاذ دني
Denney
إنما أراد بوضعه أن يكون هاديا للمعلم إلى ما يجب عليه حيال صغار الطلبة الذين يعهد إليه أمر تعليمهم، وهو - على ما أعتقد - أهم ما تعنى به اليوم وزارة المعارف وما يجب أن يعنى به زعماء النهضة المصرية المباركة.
فإن كان هذا الكتاب مؤديا إلى شيء صحيح من هذا الغرض وتناوله القراء واستفادوا منه في هذا المنحى، فهذا كل ما أرجو من نقله إلى لغتنا العربية.
1
إبراهيم رمزي
الفصل الأول
علم الأخلاق
Page inconnue
علم الأخلاق
1
هو علم السلوك بل علم المثل الأعلى منه.
2
ويبحث في أفعال الإنسان من حيث صوابها وخطأها، وتأديتها إلى الخير أو إلى الشر.
والخلق لغة: العادة والاعتياد، والسجية والطبع والدين.
فعلم الأخلاق إذن يبحث في عادات الناس واعتياداتهم، أو بعبارة أخرى في سجاياهم وأخلاقهم، وفي المبادئ التي اعتادوا العمل عليها، والأسباب التي تجعل هذه المبادئ حقا أو باطلا خيرا أو شرا.
والحق ما كان وفاق شرائع العدل؛ ولشرائع العدل هذه علاقة بأمر معني بها ومقصود منها هو الخير، فما هو الخير؟
كل ما كان صالحا لغاية أو غرض أو كان في ذاته قيما أو مرغوبا فيه للبلوغ إلى تلك الغاية يسمى خيرا.
ولكن للإنسان غايات شتى وأغراضا لا حد لها كالثروة أو العظمة، أو العلم، أو ترقية الأمة، أو تحقيق استقلالها وهلم جرا ولكن هذه الأغراض ليست نهائية في ذاتها وإنما هي في الحقيقة وسائل لغايات أخرى؛ أي أنك إذا سألت أربابها عما يدعوهم إلى إيثارها على غيرها من الأغراض لذكروا لك ما ينجم عنها من الفوائد، وإن في ذكر هذه الفوائد لدليلا على أنهم يرمون إلى أمور أخرى تتلوها غيرها حتى تنتهي إلى غرض أخير ليس وراءه غرض آخر هو الذي يسمى «الخير الأسمى».
Page inconnue
ولما كان علم الأخلاق هو علم السلوك مطلقا فليس موضوعه إذن البحث في نوع خاص من السلوك ولا غاية بعينها من تلك الغايات، وإنما يبحث عن الغاية القصوى التي تتجه إليها كل حياتنا تلك هي «الخير الأسمى» السالف الذكر.
أما طبيعة هذا الخير الأسمى فموضوع اختلاف كبير بين فلاسفة الأخلاق؛ فمنهم من يراه في اتباع وحي الفطرة، ومنهم من يراه في تحصيل اللذة ومنهم من يراه في تكميل النفس بل إنهم لا يزالون مختلفين في تعريف الخير مطلقا والشر من الأفعال والصواب والخطأ من المناهج، ولكن الذي يعنينا هنا أن في الحياة مثلا أعلى ودستورا يمكننا بالقياس عليه أن نحكم عند تعارض ضروب السلوك أن هذا الضرب منه خير من ذاك.
هذا الدستور يسمى دستور الأحكام الأدبية. (1) موضوع الحكم الأدبي
تبنى الأحكام الأدبية على السلوك، والمراد بالسلوك الأفعال الاختيارية كافة، وعلى ذلك فلا يدخل في حد السلوك ما يصدر عن النفس من الأفعال التي ليس للإرادة دخل فيها كالتنفس ورمش العين حين تأثرها فجأة بضوء شديد، أو كالتفزع لصوت فجائي، أو ألم، بل الأفعال التي يصحبها جهد الإرادة؛ أي التي يفعلها الإنسان بتدبر والتي يقصد بها غرض خاص محدود. رب معترض يقول: إن الأفعال التي اعتادها الإنسان لا يفعلها بوعي وتدبر؛ لأنها لم تعد تحت سلطة إرادته؛ فهي في الواقع بالرغم منه. والجواب عن ذلك أن العادة شكل من أشكال الإرادة، فإن لم تكن الإرادة قد سببتها اليوم فقد كانت سببا في تكوينها من قبل؛ لأن العادة لم تنشأ إلا عن تكرار فعل اختياري.
فصح إذن أن يقال: إن الأحكام الأدبية تبنى على كل فعل مرسوم مقصود.
ليس للأفعال في ذاتها صفة أدبية وإنما ينظر إليها من حيث الغرض المقصود بها لا بما يترتب عليها في الواقع؛ فإنك إذا رأيت طفلا يتناول قلما من مكتب لم تدر إن كان عمله هذا خيرا أو شرا؛ إذ إن هذا يتوقف على السبب الذي حدا الطفل على إتيانه هذا الفعل، على كون هذا القلم ملكا له أو لغيره؛ فقد يكون مكلفا بتناوله أو يكون بفعله هذا يسرق القلم، أو يريد نفع رفيق له، أو يعمل على أذيته وهلم جرا.
فإذا كانت نيته أن يفعل خيرا فالفعل خير في ذاته ولو أدى إلى شر، وإن كانت النية شرا فالفعل شر ولو أدى إلى خير، ومن ثم قيل: «كل ما يستحق الفعل، جدير أن يفعل على وجه الكمال.» وعليه فكل إنسان لا يبذل آخر جهده في أي شيء يتولاه، لا يمكن أن يسمى رجلا طيبا. وهذا ما دعا كارليل إلى أن يقول عن نجار - كان يشتغل في منزله: «إنه كان يخالف جميع الوصايا العشر في كل دقة من دقات قدومه.» ويقول أرسطو لا يكون الإنسان على شيء من الخير حتى تلذه الأعمال النبيلة ولا ينعت أحد بالعدل إذا هو لم تلذه الأعمال العادلة ولا بالكرم من لم تلذه المكارم وهلم جرا. ويقول ماثيو أرنولد: «إن السلوك ثلاثة أرباع الحياة.» ولكن لما كان السلوك يشمل كل الأفعال الاختيارية أو المرسومة فظاهر أنه يشمل الحياة كلها لا ثلاثة أرباعها فقط. (2) الخلق
الأفعال إذن تنتج خلقا؛ لأن: (1)
الأفعال التي يغلب تكرارها تصبح عادات . (2)
حاصل كثير من العادات يكون سلوكا. (3)
Page inconnue
ميل الإنسان العاقل إلى نوع من أنواع السلوك يسمى خلقا.
وقال سمايلز: «يتجلى الخلق في السلوك، وإذا تأصل استطاع الناظر أن يتنبأ بما سيحدث من الأفعال. وبما أن الخلق إنما يكون من الأفعال الاختيارية فقد سمي «عادة الإرادة» وقد سماه استيوارت مل «إرادة مكيفة تكييفا تاما.» بما أنه الطريقة المعتادة التي تصرف بها الإرادة ميول الإنسان طبيعيها وموروثها.»
الفصل الثاني
المذاهب
المذاهب الأخلاقية الثلاثة الأساسية هي كالآتي: (1)
الافتطاري: يرى به أن الأفعال تكون حقا إذا هي طابقت قواعد مفروضا أنها واجبة حتما وبصرف النظر عن عقبى هذه الأفعال، وتكون باطلة إذا لم توافق هذه القواعد. (2)
اللذي أو الهدوني: يرى به أن الفعل يكون حقا إذا هو أدى إلى اللذة وباطلا إذا لم يؤد إليها، ويشمل: (أ)
اللذي الذاتي: وغرضه لذة الفرد أي لذة الذات. (ب)
اللذي العام أو الغيري أو النفعي. (3)
النشوئي أو الكمالي: وبه يرى أن الفضيلة الأدبية كلها سياق تدريجي من النشوء، يرمي إلى البلوغ إلى الذات المثلية العليا، وسنلم بكل من هذه المذاهب فيما يلي بإيجاز. (1) الافتطاري
Page inconnue
Intuitionism
يذهب أهل هذا الرأي إلى أن كل الأفعال ضرورية في ذاتها بلا نظر إلى عواقبها أو الغاية المراد الوصول إليها أو تحقيقها.
فقول الصدق يعد واجبا لا؛ لأنه ضروري للحياة أو لأي سبب آخر؛ بل لأنه حق في ذاته.
وكل مذهب أخلاقي ينظر إلى الأفعال من هذه الوجهة يقال له مذهب «مستقل» أو «افتطاري» وسمي افتطاريا؛ لأن الذاهبين إليه يرون أن الإنسان قادر أن يميز بضميره صواب الأمر وصلاحيته مباشرة بلا ملاحظة ولا خبرة ولا تعليم، بل بالفطرة، ويعتقدون أن هناك قواعد للسلوك ظاهرة الصدق والصواب ظهورا مباشرا، وأن من العمل على هذه القواعد الكلية يتكون دستور أخلاقنا؛ أي دستور الفضيلة الأدبية.
ولكن الافتطاريين لا يزالون إلى يومنا هذا مختلفين في ماهية هذا المدرك بالافتطار أهو صواب الفعل؟ أم هو صواب المبدأ الخلقي؟ يقول بعضهم بالأول وبعضهم يقول بالثاني وفريق يقول: إن القانون الأدبي هو عبارة عن الخير الأسمى، فكأنه يقال إن هناك مبدأ أساسيا واحدا تتفرع منه سائر المبادئ وبه يمكننا فحصها.
والفريق الأول يرى أن في مقدرة الإنسان معرفة كون الفعل حقا أو باطلا بالضمير مباشرة، كما يمكننا أن نعرف - لأول نظرة - كون لون أي منظور أحمر أو أصفر (اللهم إلا إذا كان بالباصرة ذلك المرض الذي لا تفرق معه بين الألوان).
والفريق الثاني يرى أن الذي ندركه بالبداهة هو صدق المبادئ الأدبية الكلية، وأننا إذا نظرنا إلى فعل بعينه من الأفعال للحكم عليه فإنما يكون بتطبيق تلك القواعد العامة.
وعلى ذلك فإذا حكمنا أن طفلا في مدرسة غاش أو سارق؛ فإننا إنما ننظر إلى الفعل في كلتا الحالتين ونحكم عليه بمبدأ: أن الخيانة باطلة.
وعلى ذلك فالحكم الأدبي هو المقارنة العقلية، مقارنة فعل بعينه بأمر مفتطر أدبي، أعني: تطبيق مبدأ كلي شائع.
فالافتطاريون على هذا الاعتبار يعتمدون في إثبات صحة مذهبهم على وحي الضمير، ويدفعون بأن هذه الأمور المفتطرة؛ أي المبادئ الكلية معروفة مدركة لأول وهلة لدى الجنس البشري جميعه على اختلاف العصور وتباين المراتب بين أحط المتبربرين وأرقى المتحضرين، وأن الضمير أو الشعور الأدبي (كما يسميه بعضهم) هو غريزي في الإنسان كما هو شأن الحواس الطبيعية كالبصر والسمع وغيرهما وكما أنه قد لا تكون هذه الحواس في الإنسان تامة النمو فقد يكون الشعور الأدبي غير مستكمل النمو أيضا.
Page inconnue
أما أشد ما يعترض به على الافتطارية فذاك أن الناس مختلفون في الحق والأمر الأدبي اختلافا كبيرا، لا فرق أن يكونوا في زمننا هذا أو غيره، ولا أن يكونوا من المتحضرين أو سواهم ولكن الافتطاريين يدفعون هذا الاعتراض بأن اختلاف الرأي لم ينشأ إلا عن الاختلاف في تطبيق القواعد الكلية على أحوال خاصة، وأن الضمير وإن لم يكن يدلنا على كل ما يدخل في نطاق الفضيلة الأدبية يدلنا على المبادئ الثابتة التي تتأسس عليها هذه الفضيلة، وأننا نوسع مشمول هذه المبادئ الثابتة بقدر ملاحظاتنا وتربيتنا وخبرتنا.
وقد حصر الدكتور كالدروود مبادئ الافتطارية فيما يلي: (1)
مفتطرات الحياة الفردية الخاصة بأنفسنا: الكد، الطهر، تنشئة النفس، كبح جماح النفس. (2)
مفتطرات الحياة الاجتماعية الخاصة بالغير: الإحسان، الإخلاص، العدالة، الصدق. (3)
مفتطرات الحياة العليا الخاصة بالله تعالى: المحبة، الطاعة، التقديس.
ولهذه المبادئ الخصائص الآتية: (1)
أنها عامة؛ أي أنها صحيحة مهما اختلفت الظروف والأزمنة والأمكنة. (2)
أنها ضرورية؛ أي أنها تصدر بحكم الضرورة من طبيعة الإنسان ذاته؛ إذ بغيرها لا يمكننا أن ندرك أي نتيجة أدبية مطلقا. (3)
أنها ظاهرة من تلقاء نفسها؛ أي لا تحتاج إلى البرهان على صحتها؛ لأنها مقبولة بمجرد فهمها، ولاختصار القول نقول إنها بديهية. (4)
أنها غير قابلة للشك فيها؛ أي يستحيل معها تصور الإنسان صدق عكسها.
Page inconnue
وقد أورد الأستاذ توماس ريد (1710-1796) المبادئ الافتطارية في قائمة أطول من سابقتها، وأطلق عليها اسم مبادئ الآداب الأولى، وإنا نقتطف من هذه القائمة ما يلي: (1)
قال فيما يختص بالفضيلة على وجه عام: (أ)
إن في سلوك الإنسان أمورا جديرة بالثناء والرضاء وأخرى حقيقة باللوم والعقاب. وإن اختلاف الدرجات في الرضاء أو اللوم راجع إلى تباين الأفعال. (ب)
كل فعل لا اختيار لفاعليه فيه لا يستحق رضاء أدبيا ولا لوما. (ج)
كل ما كان فعله طوعا للضرورة التي لا مناص منها فإما أن يكون حسنا أو غير حسن، نافعا أو ضارا، ولكنه لا يمكن أن يكون موضوع اللوم أو الرضا الأدبي. (د)
قد يجرم المرء أكبر الإجرام بإهماله ما كان ينبغي له أن يفعله كما يجرم بفعله ما لا يصح أن يفعل. (ه)
أنه يجب علينا أن لا ندخر وسعا في الحصول على ما به نعرف الواجب.
1
وإنه يجب أن يكون أقصى ما نعنى به أن نؤدي ما علينا من الواجب بقدر ما نعرف منه وأن نحمي قلوبنا من غواية تحدونا على مخالفته. (2)
ما يختص ببعض فروع الفضيلة: (أ)
Page inconnue
يجب علينا أن نؤثر أرجح الخيرين - وإن بعد - على الأقل وإن دنا، وأصغر الضر على أكبره. (ب)
يجب علينا أن نعمل وفاق ما أرادته الطبيعة بقدر ظهوره في تركيب الإنسان، وأن يكون عملنا ملائما لذلك. (ج)
لم يولد المرء لنفسه وحدها. (د)
يجب علينا - في كل حال - أن نعمل للناس ما نوجبه عليهم إذا نحن اكتنفتنا ظروفهم واكتنفتهم ظروفنا. (ه)
يجب على كل من يعتقد بوجود الله وكماله وعنايته أن يقدسه ويطيعه. (3)
فيما يختص بالقيمة النسبية لأنواع مختلفة من السلوك: (أ)
الشكر للمحسن مفضل على الكرم الذي يوضع في غير محله ويفضلهما حب العدل. (ب)
يفضل الإحسان إلى ذوي البؤس خلة الإحسان إلى ذوي الرغد، ونفضل أفعال الرحمة الدفينة على أعمال التقى الظاهرة.
على أن من ارتضى من الفلاسفة بمثل ما تقدم بيانا للمبادئ الأولى قليل بل عمد أكثرهم إلى نقص عدد هذه المبادئ إلى حدها الأدنى المستطاع وحاول أن يجد من بينها مبدأ أو اثنين يتفرع منها الباقي، فقال لوتز
Lotz
Page inconnue
إن هناك مبدأ واحدا مفتطرا هو الإحسان الذي هو في الحقيقة أساس مذهب النفعية.
ويرى كانت
Kant
الفيلسوف الألماني أن أساس الفضيلة بأسرها هو «الرشد» وأنه يجب علينا أن نفعل ما نحب أن يفعله كل إنسان. قال لا حاجة بك أن تستخلص قاعدة لسلوكك من ملاحظاتك وتجاريبك ولا من غيرك أثناء تلقيك عنهم، فإن حجاك يبصرك ويهديك إلى ما يجدر بك فعله. وقد جمع «كانت» مبادئه جميعها في قاعدة واحدة هي «ليكن فعلك على المبدأ الذي تستطيع أن تريد صيرورته قانونا عاما.»
وقد بناها لوق
Locke
الفيلسوف الإنجليزي على فكرتين لاهوتيتين أولاهما أن هناك كائنا أعلى، لا حد لقدرته ولا لخبرته ولا حكمته، إلها نحن صنعه وعليه نعتمد وثانيهما أن الناس كائنات عاقلة مفكرة، فهو لذلك يرى أن الفضيلة الأدبية مبنية على حقيقة الله والعلاقة التي بين الناس وبينه تعالى لا على أساس الاقتضاء. (2) الهدوني أو اللذي
Hedonism
قد ينظر إلى الأفعال من حيث إنها ضرورية مؤدية أو تابعة لغرض إليه نرمي، أو هو نصب أعيننا.
وكل مذهب أخلاقي ينظر إلى الأفعال من هذه الوجهة يقال له طريقة «غير مستقلة»؛ لأنها مؤسسة على الغرض الخاص الذي نرمي إليه.
Page inconnue
كل مذهب يرى أن اللذة هي الخير الأسمى أو الغرض الأقصى من الحياة يقال له لذي (وقد يسمى هدونيا نسبة إلى كلمة «هدون» اليونانية ومعناها اللذة أيضا).
يرى أهل هذا المذهب أن خيرية أي فعل من الأفعال هي فيما يجلبه هذا الفعل من اللذة: (1)
للفاعل أو الفرد ذاته: ويقال له اللذي الذاتي أو الفردي. (2)
أو للغير: ويقال له اللذي العام أو الغيري أو النفعي.
وهنا يجب أن نذكر أن المقصود باللذة أقصاها لا اللذة مطلقا وإلا لم نجد دستورا نقيس عليه ونحكم. فقد يوجد سرور مستمد من العمل على طرائق هي أبلغ ما تكون في التناقض.
كان لوق «لذيا» في الحقيقة؛ لأنه كان يرى أن السر في السلوك الأدبي ليس في دستوره بالذات، بل هو في الألم الذي ينشأ من عدم الخضوع لهذا الدستور، ومن اللذة التي تترتب على الإذعان له.
وهنا يمكننا أن نقول إن المتدينين بدين سماوي هم لذيون؛ لأنهم يعتقدون أن أسمى غايات الناس أو الخير الأعظم هو في التماس الجنة وما فيها من نعيم.
اللذي الذاتي أو الفردي
Egoism
يرى أهل هذا المذهب أنه يجب على الإنسان أن يسعى لخير نفسه الأعظم، وأن يفعل ما في وسعه لتحصيله، وعلى ذلك فكل فعل يكون حقا إذا هو أدى إلى ذلك وكل ما لم يؤد إليه يكون باطلا. وعليه فالمصدر الأصلي الوحيد والمنبع الأساسي الذي ينبعث منه الفعل هو حب الذات.
Page inconnue
والسيرينيون
Cyrenaics (370ق.م) أول من رأى هذا الرأي فهم يقولون إن اللذة القصوى هي في إرضاء الشهوة، وإمتاع النفس وفي أنه يجب على الإنسان أن ينتهز سرور اللحظة الحاضرة في مرورها.
والأبيقوريون (270ق.م) ذهبوا إلى أرقى من ذلك درجة، وقالوا إن السعي وراء السعادة هو الفضيلة بعينها على أنهم أدخلوا التمتع الأعلى الاجتماعي والعقلي في ذلك ورأوا أن كل إنسان يجب أن يبحث عن سعادة حياته بأسرها وهو متمتع بسرور اللحظة الحاضرة.
وحاول هوبز (1580-1678) وأتباعه أن يفسروا كل الإحساسات الأدبية ودواعي الإحسان بأنها أشكال من رغبة الذات في اللذة. وقد قال إنه يجب أن ينظر إلى الأفعال ويحكم عليها من وجهة ما يمكن أن يستمد منها من المسرة، وإليك قوله:
كل ما كان محل الشوق من إنسان يسميه خيرا وكل ما كان محل الكره والمقت يسميه شرا، أو سيئا.
وعلى هذا القول، فكل ما يجب أن نعنى به هو البحث عن مصلحتنا الذاتية وخيرنا الخاص. ولكن مبادئ الأديان العالية تلك المبادئ التي تشرب النفوس خلة الإحسان وإنكار الذات جاءت بأرقى من ذلك مثلا وأشرف غاية، حتى أصبح هذا المذهب هملا لا اعتبار به؛ إذ لا شك أن جلال الحياة والأخلاق لا يتفق مع الأثرة ولا يجاريها.
ولا بأس أن نورد لك هنا ما يعترض به على مذهب اللذية الذاتية: (1)
إذا كانت كل الأفعال تصدر عن الأنانية فإن من الصعب - بل من المحال - أن نعرف الداعي لفعل أي نوع من الأفعال التي لا مصلحة للذات فيها، كالإحسان إذ الإحسان هو نقيض الأثرة. (2)
لا يمكن أن يستقيم للفضيلة ظل حتى يكون الفرد منظورا إليه من وجهة علاقته بالغير؛ أي من حيث إنه عضو من المجتمع، له من أجل ذلك حقوق وعليه واجبات. (3)
يترتب على اللذية الذاتية تخطئة أولئك الذين ينزلون عن لذائذهم أو يجودون بحياتهم أحيانا لمصلحة غيرهم، ورضاها عن أولئك الذين يضحون بسعادة غيرهم وحياتهم تحقيقا لمآربهم الذاتية.
Page inconnue
اللذي النفعي، أو الغيري العام
Utilitarianism
أهل هذا المذهب يرون أن الفعل لا يكون حقا أو صالحا حتى يكون المقصود منه إعطاء أقصى ما يمكن البلوغ إليه من اللذة، أو السعادة لأكبر عدد من بني الإنسان، والعكس بالعكس.
وقد سمي بالنفعي؛ لأنه كان يرى أن الطبيعة الأدبية لأي فعل إنما تدرك بمنفعة هذا الفعل وفائدته في تحصيل اللذة أو السعادة، وقد كانت النفعية تعتبر مؤسسة على اللذية الذاتية؛ لأنهم قالوا إنه لما كان كل فرد يبحث عن لذته أو سعادته فسعادة الكل تصبح غرضا مشتركا بين الجميع ولكن لا يستلزم سعي الفرد للذته تحصيل لذة غيره. فقد يسعى أحدهم لتحصيل سعادة نفسه وليس له رغبة في سعادة غيره مطلقا .
وقد رأى بعض النفعيين في زماننا هذا فساد مبدئهم فعمدوا إلى القول بأن لذة الفرد ليست بالأمر الجوهري الذي يبحث عنه أو يرغب فيه، ولكن أصل مذهبهم وجوب السعي لتحصيل سعادة الناس جميعا؛ لأن العقل يأمر بذلك. ولكنهم لا يقولون لنا لماذا كانت أوامر العقل واجبة الاتباع، وعلى ذلك لا نزال نرى أن المبدأ العام الأساسي لكل من اللذي الفردي واللذي الغيري هو أن كل ما أحدث لذة حق.
وعلى هذا القول اعتراضات فقد قيل إنه إن صح هذا المبدأ: (1)
صح أنه لا يترك مجالا لأي فعل لا أثر فيه للمصلحة الذاتية ولا للغرائز الأصلية. (2)
وصح أن الأفعال الصادرة بدواعي المصلحة الذاتية أحق من الأفعال اللامصلحية، إذ ما دمنا نستمد لذة من الثناء والجزاء فخير لنا أن نفعل ما نفعل حبا في الثناء وفي الجزاء لا رغبة في أن نفعل ما نراه حقا؛ لأننا في الحالة الأولى نحصل لذة الجزاء وهذه اللذة إضافية. (3)
وصح أن دستور الحق والباطل لا يكون ثابتا؛ لأنه يختلف بالضرورة إذ ذاك باختلاف الأشخاص تبعا لنوع الأفعال متى يرون فيها أكثر اللذة لأنفسهم.
تلك هي جل الاعتراضات التي يقيمونها على المذهبين السابقين، ولكن أربابهما يدفعونها بقولهم: (1)
Page inconnue
إذا ما عرف الإنسان أن يؤلف بين نتيجة طاعة غرائزه الأصلية وبين الغرائز ذاتها؛ فإنه لا مندوحة له من قصد هذه النتيجة إذا هو بعد ذلك أطاع هذه الغرائز. (2)
والأمر كذلك في الأفعال اللامصلحية؛ فإننا نتعلم أن ندرك جمال مثل هذه الأفعال، وإن في التفكير في هذا الجمال للذة. كما أننا في الوقت ذاته نعطف، وللعطف من إحداث سرور للغير لذة لازبة. (3)
إذا تعارض الحق واللذة، آثرنا الحق على اللذة بما أن الحق جزء من اللذة بل هو الجزء الأبقى.
هذا المذهب يرى أن السعادة يمكن أن تقاس بمقدار اللذائذ والآلام. ولكن جد الصعوبة هي في معرفة المدى والحد الذي إليه يمكن أن تقدر أو تقاس هذه السعادة؛ أي هي في اختيار وحدة ثابتة للقياس.
يرى بنتام «1748-1832» أن كل اللذائذ في صفتها سواء، ولكنها تختلف في شدتها، ومدة بقائها، وأمد اقترابها ومقدار التأكد من حدوثها ولكن ستيوارت ميل يخالفه في ذلك، ويرى أن اللذائذ تختلف في صفتها كما تختلف في شدتها ومقدارها، وهذا هو الرأي السائد.
ولكنا إذا اتخذنا من صفة اللذة وشدتها ومدى بقائها وغير ذلك مقياسا؛ فلا يزال يستحيل علينا معرفة حقيقة مقدار أي سعادة؛ وذلك أنه لما كان الناس - لاختلافهم - يجدون السعادة في أمور مختلفة فكل منهم لا يمكن أن يحكم إلا بما يصيب من اللذة لا بما يؤدي إلى سعادة الغير.
زد على ذلك أنه لا يمكن أن يعبر عن أي لذة بمقدار ثابت؛ لأننا إذا عمدنا إلى تحصيل شيء بعينه من اللذة لم يكن في تحصيله من اللذة ما يداني لذة تتأتى من مجيئه عفوا غير متعمل له. على أن القليل من اللذة قد يكون أدعى إلى التلذذ من كثيرها، وذلك لحصول التنوع فيه فضلا عن أن الأمر مرتبط بالظروف التي قد تحيط بنا وبحالتنا الجسمانية أي الصحية فما يخفى أن اللذة التي نشعر بها في أقصاها ونحن أصحاء تفقد بعض مقدارها إن لم تفقدها كلها إذا جاءتنا ونحن مرضى.
قد ينكر النفعيون المبدأ القائل بأن لذة الفرد الذاتية هي الغرض الأقصى من أفعالهم، دفعا بأن في رغبة المرء في الفضيلة والتماسها تطوعا كبيرا وسعيا عظيما إلى تحقيق سعادة الغير وإن لم يترتب على تلك الرغبة والسعي سعادة للمرء ذاته، وبأن أخص صفات الأفعال اللا مصلحية أنها تفعل كلها للذة الغير وحده وسعادته.
على أنه مهما أقيم من الاعتراضات على النفعية فإنه لا إنكار أن انتشار تعاليمها كان ذا أثر قوي فعال ثابت في تقرير الخير في العالم.
قال توماس جرين (1836-1882) في سياق الكلام عن النفعية: «إنها لم تشرب الناس شعورا أكبر بالواجب نحو الغير من سواها، على أنه ليس في المذاهب الأخرى ما يستطيع ذلك. وإنما هي تدعو أولئك الذين تنبهت قلوبهم إلى هذا الشعور أن يكونوا أكثر نزاهة في تقرير من هم «الغير » وأن يعتبروا بني آدم أجمعين هم هذا «الغير». على أن النفعية تدعو فوق ذلك إلى تقرير التساوي السياسي بين الناس وترقية مستواهم الاجتماعي، على مبدأ أن لكل فرد من الناس حقا في التماس نصيب من السعادة يعادل نصيب غيره.»
Page inconnue
فمما تقدم يرى أن مذهب النفعية أثبت مذاهب الأخلاق حدودا وأقربها إلى العمل. (3) الكمالي، أو مذهب النشوئيين
وهناك فريق يرى أن الغرض الأسمى الذي ترمي إليه الفضيلة الأدبية هو الكمال؛ أي الصعود بالنفس إلى أعلى مراتب الإنسانية، وعلى ذلك يكون القانون الأدبي والفضيلة الأدبية هما في نظرهم نسق من النماء مطرد.
قال الأستاذ لويد مورجان شرحا لمبدأ الكمال: «إن غرضنا الذي نرمي إليه هو تحصيل المثل الأعلى من أنفسنا بترويضها وضبطها وهديها. والاستعاضة عن ضعيفة النفوس التي لنا بأخرى أصلح وأتم وأغنى وأصدق.» وقال الأستاذ جرين «الإنسان نهاية في ذاته.» فإذا أراد أن يبلغ درجة الرضا والارتياح فعليه أن يكمل نفسه.
الفصل الثالث
الشعور
يشمل الشعور نطاق اللذة والألم بأكمله. وهو عنصر جوهري في كل فعل مدرك. وإلا فإنه إذا لم تحصل لذة من فعل الفعل ولا ألم من تركه، وبعبارة أخرى: إذا لم يكن هناك تأثر متصل بالفعل؛ فلا فعل على الإطلاق.
وعلى ذلك فيمكن أن ينعت الشعور بأنه مصدر الفعل. بما أن كل الأفعال إنما تنشأ من رغبة في سد حاجة الشعور، ومن هنا نتبين خطورة أمر «التأثر» المشار إليه في التربية.
والشعور أهم البواعث على تنبه الإرادة كترقب لذة مثلا أو خشية خوف، وعلى ذلك فالشعور عامل خطير في التربية الأخلاقية؛ إذ لا يخفى أن نشوء العادات واختيار الإنسان منهجا بعينه من مناهج السلوك على اختلافها إنما يكون تبعا للذة أو الألم الذي يصحب الفعل. (1) نمو الشعور
إن سد حاجة نوع بعينه من أنواع الشعور لا يترك العقل على نفس الحالة التي كان عليها بالضبط قبل قيام الشعور بالنفس، بل تبقى من الفعل إثارة يصبح العقل بها مهيأ إلى الميل للفعل مرة ثانية على نحو ما فعل أول مرة، وكلما كانت الفترات بين سد حاجة الشعور مرة وأخرى متداركة كان الميل إلى انتحاء ذلك النحو من الفعل أعظم. مثال ذلك: إذا نحن كنا في ظروف توجه فيها التفاتنا بلا انقطاع إلى المحزنات؛ تملكنا الحزن بل ربما استقر في أنفسنا المرض وكذلك الأمر في الكآبة والغضب والطاعة وغير ذلك. نعم إن كثيرا من أمرها فطري ولكن توفيرها أو استئصالها ممكن بالترويض والمعالجة.
والشعور أو الإحساس يصبح مصاحبا لنوع الجهد الموقظ، فإذا كان الإحساس لذيذا كان الفعل المصاحب له مقبولا، والعكس بالعكس. فإذا أردنا على ذلك أن نحبب المدرسة ومعلميها وعملها إلى طفل من الأطفال؛ فالواجب أن يعمل على إزالة كل ما كان منها غير مقبول، ويترتب على ذلك أن العقوبات - وإن وجب فيها الإيلام - يجب أن توقع بحيث لا يبصرها كل تلاميذ المدرسة إلا إذا كان لضرورة لازبة؛ لأنه ينشأ من شهود توقيع العقاب آلام المدح والثناء، فيصحبهما شعور لذيذ، فيجب إذن أن يكونا علانية. (2) أقسام الشعور
Page inconnue
يمكن تقسيم الشعور إلى ما يأتي: (1)
شعور ذاتي ويشمل: (أ)
شعور الحواس؛ «أي الشهوات» منبهات الحاجة العضوية، ويشمل الإحساس بالبرودة، والدفء، والجوع والعطش وأمثال ذلك، وهذه قد تنقلب «ولوعا باللذات». (ب)
الميل إلى الإجهاد العضلي «حب النشاط» الذي قد ينقلب «ولوعا بالقوة». (ج)
الانفعالات النفسية، وهي بواعث النفرة كالخوف والحسد والغضب والمنافسة وغير ذلك، وتسمى هذه الإحساسات أحيانا «بالإحساسات الاجتماعية»؛ لأن من يفرط فيها عرضة لاعتزال الجماعة وهذه الإحساسات قد تكون: (1)
موجهة إلى ما هو ماض كالغضب: وهذا قد ينقلب ضغنا. (2)
موجهة إلى ما هو حاضر كالنفور: وهذا قد ينقلب رغبة في الانتقام. (3)
موجهة الي ما هو مستقبل كالخوف: وهذا قد ينقلب ريبة.
فعلى المعلم أن يعمل على استئصال هذه الإحساسات. (2)
شعور غير ذاتي ويشمل: (أ)
Page inconnue
إحساسات اجتماعية، وهي بواعث التجاذب، كالعطف والمحبة والود والشفقة. كل هذه الإحساسات صالحة داعية أهلها إلى التآلف؛ ولذلك يجب على المعلم أن يدعو إليها. (ب)
الإحساسات العامة أو الشعور الحقيقي وهو يشمل: (1)
الشعور العقلي أو التعجب ؛ أي الشعور بالحاجة إلى العلم الداعي إلى البحث عن الحقيقة. (2)
الشعور الحسني، أو الإعجاب والشعور بالجمال. (3)
الشعور الأدبي أو الاحترام والشعور بالواجب وحب الفضيلة، وداعي تقديس الذات الإلهية.
يتدرج الشعور على النسق المتقدم، فالشعور الذاتي أولا؛ لأنه أدنى مراتب الإحساسات، والإحساسات التي يتصل أمرها بالثواب والعقاب.
الملحوظ في الأطفال سرعة الانتقال من عاطفة إلى أخرى. لذلك كان أسهل على المعلم أن يثير في قلوبهم إحساساتهم من أن يحرك إرادتهم. بذلك يستطيع أن يشرب أفئدتهم حب الاستقامة والنبل؛ لأن الأمر الذي يصحبه انفعال نفساني يرسخ في الذاكرة رسوخا تاما، ومن هنا كان الخطيب الذي يهيج على نسق منطقي الشعور أبلغ من سواه.
وإذ كان الأطفال أقرب إلى التأثر من الكبار فهم أقرب إلى إجابة السؤال إذا استصرخ بإحساساتهم الراقية وشعورهم الكريم من الكبار؛ لأنهم لا يكونون إذ ذاك قد حسبوا لنتائج كل فعل حسابه ولا تدبروه كما هو حال الكبار. (3) حب الثناء وخوف التقريع
أمران فطريان في الأطفال جميعا. وهما من أقوى أسباب حسن السلوك.
على أن استعمال هذين الأمرين يحتاج إلى الحذر من جانب الوالد والمعلم، وإلا فإن استعمالها إلى حد بعيد أو مع التحيز وقلة العدل يذهب بحسن أثرهما؛ لذلك ينبغي أن يراعى في استعمالهما الحق والاعتدال، فلا يصح مدح الطفل لمجرد حصوله على حسن اقتدار فطري بل يجب أن يستبقى المدح للتفوق في الأعمال ولنبيل الجهد.
Page inconnue
وكذلك لا يصح تعنيفه لمجرد أنه غير حاصل على حسن اقتدار فطري، بل يستبقى ذلك له إذا هو لم يستعمل مواهبه الفطرية كما يجب، على أن فرط المدح والثناء يؤدي بالطفل في الغالب إلى الصلف ولكن مهما يكن من الأمر فإن تجاوز حد الاعتدال في المدح خير من القصور عنه. هذا وإن الجد في البحث عن أخطاء الطفل واكتشافها وتأنيبه عليها لا يلائم خلة العطف التي لا مندوحة من وجودها بين المعلم وتلميذه، ولذلك يجب تجنبها.
الفصل الرابع
الشعور
(1) حب الحركة
الأطفال ذوو نشاط بالطبع، فلا يمكن أن يقلعوا عنه أو يقفوا عن الحركة، بل هم متحركون دائما ولا بد لهم في أوقات التنبه أن يفعلوا شيئا.
ولا يخفى أنه يصعب على الإنسان حتى ولو كان كبير السن أن يظل بلا حراك مدة طويلة، وإلا أدى الأمر إلى اعتقال العضل، فلا يصح - من باب أولى - أن يكلف الأطفال الجمود على وضع واحد مدة طويلة.
ونقول إن لحالة الجسم أثرا في الفؤاد، فإذا أراد المعلم أن يؤدي عقل الطفل عمله أحسن تأدية فليعن بصحة الجسمان، ويتضح مما تقدم أنه لا يصح أن ينتظر من الأطفال جلوسهم بلا حراك لا يعملون شيئا وبناء على ذلك يجب أن يترك لهم في الدرس فرصة يفعلون فيها شيئا علاوة على مجرد الالتفات إلى معلمهم. قال الأستاذ جوزيف بين:
يندر أن يرتاح الأطفال إلى الجلوس بلا عمل؛ فإن القلق والاضطراب اللذين يصادف منهما الأمهات والمعلمون متاعب جمة، هما - في الحقيقة - شيء من محاولة الروح بواسطة الجسم الحصول على عمل لما انطوت عليه من القوى. فإذا أراد المعلم أن يصرف عنه المشقة فما عليه إلا أن يسد حاجة نفوس الأطفال بأن يهيئ لهم أمرا يشتغلون به. بذلك يقف قلق أفكارهم وإضراب ذهنهم؛ إذ تتوجه وتنحصر في العمل الذي بين أيديهم، وبذلك يكون العقل في هدوء وهو في شغل شاغل.
ونقول إنه إذا لم تكن أيدي الأطفال مشتغلة بشيء أثناء الدرس فلا بد أن تكون عالقة بأذى أو مثل ذلك، اللهم إلا إذا كان المعلم لهم في حلاوة الدرس شغل عظيم؛ لذلك ينبغي أن يبتدع شيئا يشغل أيديهم كرفعها إشارة إلى الاستعداد للإجابة على سؤال، وكالتأشير أو الكتابة أو الرسم على السبورة، وغير ذلك. (2) العطف وعلاقته بالثواب والعقاب
العطف مشاركة الغير في شعوره بالتألم أو الفرح له. ويمكننا أن نقول إن إنصاف المرء أخاه هو في الحقيقة مجرد عطف ممثل بالعمل؛ لأن العطف يدفع من قد يكون متهيئا لفعل الشر إلى أن يحل نفسه محل المأذي.
Page inconnue