وتقول الملحمة إن إلهة الخصب «إينانا» أو «عشتار» أو «الزهرة» قد قامت بتضحية اختيارية، وذلك بنزولها إلى عالم الموتى السفلي، وبغيابها عن عالم الأحياء - وهي روح الخصوبة - جفت الأرض وتوقف النسل وتعطل العطاء النباتي والحيواني وكل مظاهر الحياة المتجددة على الأرض؛ لتفسر الأسطورة فصل الجفاف، وكي تفسر فصل الخصب؛ كان لا بد أن تعود الزهرة من عالم الموتى، إلا أن الحبكة الدراماتيكية استدعت أن يوضع لعودتها شرط، تمثل في ضرورة حلول بديل محلها. وتصل الدراما التراجيدية إلى ذروتها عندما نجدها ترشد زبانية العالم السفلي إلى عشيقها المفضل «تموز» - صاحب الشهر المعروف باسمه في التقويم حتى الآن - ليأخذوه معهم بديلا، نظير الإفراج عنها، رغم ما كان بينهما من قصص غرام وهيام مشبعة بالفعل الجنسي، تم سردها بالأسلوب الصريح المكشوف، بوضوح وبساطة وسذاجة شديدة، تعبيرا عن الاعتقاد في مسألة الخصب وأهميتها.
8
أما مدخل العالم السفلي الرهيب، فكان في بابل نفسها، وبالتحديد في فتحة بئر يقع في مدينة الوركاء نفسها، حسبما جاءنا في ملحمة رافدية أخرى هي «ملحمة جلجامش».
9 (3) الزهرة ربة الحب والحرب
مع بدء «الآشوريين» على صفحة التاريخ، وتكون الدولة الإمبراطورية الآشورية، لم تعد الزهرة ربة اللذة والحب الشهواني فقط، وإنما أصبحت أيضا ربة حرب هلوك، إذا ما أخذنا بالحسبان طبيعة الشعب الآشوري الدموي وهو شعب محارب بفطرته، لم يشهد العالم القديم مثيلا له في البشاعة والقسوة. وقد وجد الآشوريون لطبعهم واعتقادهم الجديد سندا في طبيعة الزهرة نفسها، فهي تظهر في اليوم مرتين، صباحا مع الشروق ومساء مع الغروب، ومن هنا «اعتبروها إلهة الحب واللذة حين تكون إلهة المساء ... ولكنها إلهة الحرب والقتل حين تكون إلهة الصباح»،
10
حتى لقبوها بلقب «سيدة الحرب» فأصبحت مع بداية العهد الآشوري سيدة الحرب إلى جوار كونها سيدة السماء وربة اللذة.
ويؤكد «د. فاضل عبد الواحد» أن فترة سيادة الآشوريين كانت من دون شك من أشهر الفترات التي بلغت فيها الإلهة عشتار منزلة عظيمة باعتبارها إلهة للحرب
11
ويضيف د. نجيب ميخائيل أنها عبدت «... كإله ذكر في الصباح يشرف على الحروب والمذابح، وأنثى في المساء ترعى الحب والشهوة، فهي ربة هلوك تسعى وراء اللذة والإغواء».
Page inconnue