وهكذا يظهر شيطان المسيحية بقدرات جبارة، تصل به إلى حد تحدي إلهه والثورة عليه، ومحاولة صرف عباده عنه بغوايتهم. بل وصل به المدى حدا حاول معه إغواء إلهه ذاته، وهي صورة تلقي بنا في مرآة الزمان القديم، أيام كان إبليس إلها ذا قدرات إلهية، بل وتشهد له الأناجيل بهذا المعنى، بالسيادة في رسالة «بولس» إلى أفسس أن الشيطان: «رئيس سلطان الهواء، الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية». وفي الإصحاح 14 من الإنجيل نفسه، وهو مع أتباعه في رسالة «بولس» إلى أفسس: «سلاطين وولاة العالم على الدهر مع أجناد الشر الروحية في السموات». وفي رسالته إلى أهل كورنثوس يصف بولس الرسول الشيطان وأتباعه بأنهم «رؤساء هذا العالم»، بل ويؤكد المسيح ملائكية إبليس وعلاقته بالموت والعالم السفلي، حيث النار والجحيم في الهاوية، بقوله في الإصحاح 25 من إنجيل متى: «اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية، المعدة لإبليس وملائكته.» (9) الشيطان في الإسلام
ويبدو أن قصة إبليس بمعناها الذي وصلت إليه مراحل العقل التطورية في المسيحية، كانت قصة معروفة بين عرب الجزيرة قبل الإسلام، ولا يبعد أن يكونوا قد عرفوها بتأثير اليهود والمسيحيين، فنجدهم يعتقدون بالاعتقاد اليهودي السالف حول «عزازيل»، وكونه ملاكا هبط مع رهطه إلى الأرض، وتزوج من الآدميات فيقول «د. خليل أحمد»: إن العرب في الجاهلية كانت لديهم أسطورة تقول: إن قبيلة جرهم هي نتاج تزاوج الملائكة مع بنات البشر، وأسطورة أخرى تؤكد أن ذا القرنين كانت أمه آدمية وأبوه ملاكا.
21
ويؤكد د. جواد علي أن العرب قد عبدوا الملائكة.
22
وهذا كله يفضي إلى أن العرب قد عرفوا قصة الملاك العاصي وأتباعه وعبدوهم، والإنسان لا يعبد إلا من صعد في التصور البشري إلى رتبه الألوهية.
وفي الإسلام أيضا نجد للشيطان مكانة، بالتسميات القديمة نفسها. فهو إبليس
Di-abolos
وهو الشيطان
Satan . ويؤكد «الثعلبي» أن الله عندما غضب على إبليس «مسخ صورته فصوره شيطانا بعد أن كان ملاكا ... وغير اسمه، وكان عزازيل فسماه إبليس!»
Page inconnue