حيث هناك العذاب بالتمزيق والحرق بالنار (لأن
Devil
تعني أيضا: يمزق، يفرم، لحم مشوي بالنار).
وهي في مجملها الصورة التي سنراها بهذا التركيب المتداخل في العقيدة المسيحية. (8) الشيطان المسيحي
يتضح من دراسة المراحل التاريخية العقائدية التالية، التي مرت بها فكرة إله الشر، أن البشرية قد ارتاحت تماما لمشجبها الديني، بحيث أصبح من الصعب - ومن الكفر في بعض العقائد - التنازل عنها. ولما أخذ العقل في الارتقاء من تعدد الآلهة إلى التوحيد، واجه مشكلة مؤرقة، فقد انتهى إلى القول بإله واحد موصوف بكل صفات الكمال، لا يصدر عنه إلا الخير، فكيف يحدث الشر؟ إلا أنه مع هذا التراث العريق لإله الشر، ذلك الذي أصبح اسمه «إبليس» أو «الشيطان
Satan »، لن توجد مشكلة؛ ومن ثم تركت له المسيحية بابا رحبا في عقائدها، فلا تكاد تجد سفرا إنجيليا يخلو من ذكر إبليس، مصحوبا بكل أنواع اللعنات وأقذعها، وحفاظا على وحدانية الله - ممثل الدولة الغائب - لم يعد إبليس إلها للشر، بل مخلوقا إلهيا تمرد على خالقه، فكان سببا لبلاء البشرية وآلامها، فهو أصل الخطيئة وسببها، وهو الذي أغوى آدم بالأكل من القوت المحرم والمعرفة المحرمة في الجنة، فارتكب خطيئته الأولى (ولأن ذلك يتعارض مع النص التوراتي القائل بأن الحية هي التي أوعزت لحواء لتأكل من الشجرة، فإن المسيحية أكدت أن هذه الحية لم تكن سوى إبليس متنكرا! وأنها ربما حملت إبليس في فمها، فتحدث إلى حواء من خلاها).
ويحكي لنا «واطس» قصة هذا المخلوق الذي تمرد على خالقه في قصة ملخصها: إن إبليس كان أكثر الملائكة جمالا وأعظمها شأنا عند الله، وكان أقرب الملائكة إلى الله، حتى كان يعكس الضوء الإلهي كالمرآة، فلقبه أقرانه لذلك ب «لوسيفر
Lucifer » أي حامل الضياء. ولما خلق الله آدم شعر إبليس أو «لوسيفر» أن هذا المخلوق الجديد سيهدد مكانته بالخطر. ورغم معرفته التامة باللعنة الأبدية التي ستلحقه إذا اعترض، فإنه لم يكتف بالاعتراض، بل رفض الأمر الإلهي بتأدية فروض الولاء للمخلوق الجديد الأقل منه شأنا، وأيده في الرفض عدة آلاف من الملائكة، أعلنوا العصيان والتمرد، فدفع الله بهم إلى عالم الظلام الأبدي تحت الأرض، فتحولوا من ملائكة إلى شياطين، يتزعمهم إبليس ملكا للشر، وعدوا لذرية «آدم».
20
بل وتزعم الأناجيل أن الله عندما نزل إلى الأرض في شخص «يسوع» المسيح - حسب اعتقادها - تعرض له إبليس أكثر من مرة ليغويه رغم معرفته به! (لاحظ إلى أي حد يثق الملاك العاصي بقدرته)، لكن المسيح الإله كان يفطن دائما للخدعة! ويعرف أن هذا إنما هو عدوه اللعين فيتحاشى مكره وفخاخه.
Page inconnue