فعند هذا الكلام تحول غضب إيليا إلى ضحك رغما عنه، ولكنه بقي يظهر الجد، فقال: ومن أخبرك أنني أحبها، ثم ما هي طريقة هذا البيع والشراء؟
فقهقه أرميا وأجاب: أما حبك فقد عرفته، وأما البيع والشراء فله ثلاث طرق: الأولى: أن نقترع على الفتاة فالذي يربحها تكون له، والثانية: أن نتناظر في الدين فالذي يغلب رفيقه تكون من نصيبه، والثالثة: أن تكون الفتاة للذي يتنازل للثاني عن وظيفته. فأنا وظيفتي حراسة ورثاء أورشليم على الجبل وأنت وظيفتك رئاسة هذه المزرعة. فإما أن تبقى في وظيفتك وتكون الفتاة لي أو تأخذ وظيفتي على الجبل تاركا المزرعة لي فتكون الفتاة لك.
فهز إيليا حينئذ رأسه وعجب من نفسه لإصغائه لكلام هذا المعتوه. فأجابه باستخفاف ظاهر في وجهه: سنتباحث في هذا أيها النبي أرميا. ثم تركه وعاد إلى منازل المزرعة.
أما أرميا فإنه تأمل فيه وهو عائد عنه، وقال في نفسه: إنك تضحك مني، ولكني أقسم بالله أنني سأحرمك إياها.
وكان الهدوء قد عاد إلى المزرعة، ودخل كل واحد إلى غرفته للرقاد بقية الليل، وكذلك أرميا دخل إلى إحدى الغرف لينام، ولكنه كان ينام بعين ويسهر بالأخرى، وهو يقول في نفسه ضاحكا ضحك المجاذيب: «إن إيليا سيخسر الفتاة من ذات الباب الذي ربحها منه».
الفصل الرابع عشر
الكتاب
في أن عواطف المرأة قد تنقلب بغتة وتفيض دفعة واحدة. ***
وفي صبيحة اليوم التالى استغرق إيليا في الرقاد ولم ينهض باكرا. إلا أنه وهو في الفراش سمع ضوضاء شديدة وحركة اجتماع. فنهض من فراشه ليستخبر الخبر. فعلم حينئذ ما جمد دمه في عروقه، وجعله يثب عن الأرض ذراعا، وهو أن أستير قد فرت من المزرعة في الليل، وتركت له على مائدتها كتابا بخط يدها. فصاح إيليا في الحال مناديا: أرميا. فقيل له: إنه لم يطلع عليه الصباح في المزرعة. فصاح إيليا حينئذ: لقد فر بها ابن اللئام. ثم عمد إلى كتاب أستير ففتحه بيد مرتجفة وقلب ملتهب، وقرأ فيه ما يأتي:
يا صديقي إيليا
Page inconnue