تعلمنا أن الفقراء والجياع والعطاش والمرضى والمتعبين والضعفاء والمحتاجين، يجب أن يكتفوا في هذه الحياة بالشكر على بلواهم؛ لأنهم أهل ملكوت الله. فكل المساعدة التي تمدهم الكنيسة بها قاصرة على تقوية نفوسهم لتتحمل مصائبها، وليس هذا حقهم وحده؛ بل هم كبشر من مخلوقات الله لهم هنالك حق آخر.
أجل يا أخي الصغير، إن لهؤلاء البشر حق المساعدة والإسعاف على الهيئة الاجتماعية؛ لأنهم إخواننا في الإنسانية، وهذا دين لهم علينا، ولا تقل إن الكنيسة والهيئة توصياننا بالإحسان إليهم؛ فإن هذه الكلمة المهينة «الإحسان» يجب أن تمحى من قاموس البشر، ويحل محلها في هذا الباب كلمة «دين» لأن جميع البشر يجب أن يكونوا متضامنين متكافلين. إذن فالأقوياء والأصحاء والأغنياء والكبراء مدينون للضعفاء والفقراء والمرضى والعاجزين دينا اجتماعيا؛ لأن هؤلاء هم عملتهم وأعوانهم في جميع مشروعاتهم، ولولاهم لما استطاع أولئك أن يعملوا شيئا. فنحن نطلب قوة عادلة تستوفي هذا الدين من الأقوياء للضعفاء، وفوق ذلك تضمن لهولاء رزقهم الذي تقدم ذكره؛ لتهدأ زوابع الحياة وعواصفها المهلكة.
ولكن ترى ما هي هذه القوة المطلوب منها ضمانة رزق الضعفاء في الأرض، وهم سواد الأمم تقريبا؟ ومن أين الأعمال والأموال لإتمام ذلك في ملايين البشر العديدة؟ أيها الشاب إنك لا تزال فتى صغيرا، ولكنك غدا ستشب وتكون رجلا كبيرا، وكذلك العلم الذي خلقه الله حياة ونورا للإنسانية: إن العلم لا يزال في الأرض طفلا صغيرا يا بني، ولكن سيأتي يوم يسود فيه هذا الصغير الدنيا كلها. إن إمبراطورنا يشتغل اليوم بالعلم؛ لأنه يظن أنه يمكنه به قلب المعدن الدنيء معدنا كريما * أما نحن معاشر الناس الذين ننظر إلى المستقبل ونتطلع إلى ما وراء الفضة والذهب فإننا ننتظر من العلم أن يقلب الإنسانية التعيسة إنسانية سعيدة، وكأن غطاء المستقبل يكشف الآن عن عيني، وأرى الإنسانية الآتية الجديدة؛ أرى الإنسان يسير في البر والبحر والهواء بسرعة الطير، ويحمل المصنوعات والمزروعات لأمم بعيدة. أرى البشر يتخاطبون من قارة إلى قارة كأنهم في غرفة واحدة. أرى الشعب يرتقي باختراع الآلة الميكانيكية؛ لأن المصنوعات لا غنى لها عنه وعنها فيصير شريكا لصاحب العمل فيها، وبذلك ترتقي طبقته وتملأ الهاوية التي بينه وبين سيده صاحب العمل
7
أرى العملة الضعفاء الفقراء يصيرون قادة الممالك بالانتخاب العمومي وتقديس الإنسانية، أي اعتبار كل فرد من البشر مساويا لأي فرد كان في الحقوق والواجبات العمومية لدى الهيئة الاجتماعية. أرى الحكومات تخجل أمام الله والناس من ترك الكبار على الصغار والأقوياء على الضعفاء بحجة أن البشر أحرار يصنعون في معاملاتهم ما يريدون صنعه، ولذلك توجب على نفسها المداخلة بين الفريقين لضمانة حقوقهما
8
أرى ملاجئ الشيوخ والمرضى والعاجزين والمستشفيات المختلفة عامة في كل بلدة لإيواء الضعفاء وسد حاجاتهم، وأكابر الأمم يتفاخرون بزيارتها وصنع الخير فيها. أرى كل شبر في الأرض يحرث ويزرع وينبت خيرات لسكان الأرض، ولذلك تكسر السيوف والرماح والتروس، وتصب محاريث ومعاول. أرى الضغائن والأحقاد بين عناصر البشر المختلفة تهمد وتخمد بهذا التداخل العظيم بعضهم في بعض، وبتحققهم أنهم إنما كانوا يتحاربون على لا شيء. أرى الطب يطيل عمر الإنسان إلى ما بعد المائتين
9
ويتغلب على الأمراض والشيخوخة فإذا جاء الموت كان نوما لطيفا هادئا. أرى الرزق الذي يقتتل عليه الناس اقتتال الحيوانات الضارية قد رخص وخف فصار الرجل الواحد يحمل منه في علبة في جيبه ما يكفيه أياما
10
Page inconnue