واعلم أن أول الفروسية الصيد على الخيل بشرط اللباقة وصنيع الرماية، وحسن الثبات في ظهور الخيل، وكم من راكب وسابق ورامٍ لا يعد فارسًا ولا عازمًا بما هو بصدده.
وعلم الصيد باب واسع، وعالمه في صناعته بارع.
ومن أدب الصائد أن يتفقد فرسه قبل ركوبه للصيد والحرب وغير ذلك، فإذا كان ذا علم، نظر إلى وجه فرسه، فيعلم أنه متشوش أو به أمر، وقد جربنا ذلك.
وصية يحتاج إليها المتصيد
ينبغي أن لا يرخي لجام فرسه فيشوش عليه حين الركض بطرق الناعوس في سقف حلقه، وهذه مزلة في الجهّال، وكم من فرس جواد سبق بهذه القضية، بل ينبغي أن يكون اللجام مستوفيًا فم الفرس وأن يرح الذناق والقلادة، ومن الخيل إذا كانت قلادته قصيرة فيختنق، وربما نقص جريه، وقد سبقت خيول جياد بسبب ذلك.
ويحذر المتصيد والمحارب وصاحب الصولجان من اللجام الخفيف لفرسه، بل على المقدار، ومن غريب ما سمع أن بعض الملوك كانت له محظية طلبت الحضور معه في الصيد فأجابها إلى ما أرادت فبينما هو يتصيد إذ مرّ عليه سرب ظباء، وكان أرمى الناس، فقال لها: كيف تحبين أرمي هذه الظباء، فقالت: أريد أن تجعل ذكورها إناثًا وإناثها ذكورًا، فقدّر الملك أن تكون توهمت عليه العجز، وأن يتبين لها نقصه، فقال: ما سألت شططًا، ثم رمى التيوس من الظباء فحصد قرونها فصارت كالإناث، وجعل يرمي الإناث فيثبت النشاب في موضع القرن، فلما تمّ له ذلك على ما طلبت عطف فقتلها خوفًا من أن تسومه في وقت آخر ما يعجزه فتفضحه، ويقال أنها طالبته بالجمع بين ظلف الظبي وقرنه، فرماه ببندقية فأصاب أذنه فحكها الظبي بظلفه فرماه بنشابه فشكه. وما حكيت هذه الحكاية إلا لاسترفاع همة الرامي على الصيد، وأيضًا ليسلم من الإعجاب بنفسه، وهذه الحكاية من أكبر آداب المتصيد.
قال المؤلف الفقير إلى الله محمد بن منكلي: أذكر لك أيها الولي المختار نكتة عجيبة لا يكاد يسمع بمثلها، والله ﷿ أعلم، وهي من جملة آداب الجندي المتصيد. وهي إذا ركضت يا سيدي فرسك المطواع وأردت أن تطلب الصيد فليكن سيفك سلسًا، فإذا رميت الصيد وأخطأته فربما رجع إليك بسرعة ولم تستطع تفويق سهمك لرمية فاستعمل ضربة بالدبوس، فإن أخطأته فبالسيف، واحذر رجل فرسك، فإن كان مطلوبك غزالًا وضربته بالدبوس فعلى رأسه، وكذلك الحمار والبقر وكذلك الضبع، وإذا ضربت ذئبًا أو ثعلبًا بسيف فاقلب قبضة سيفك في كفك حين الضرب، فإنك إذا أصبته كان أنكى، وأسلم لرجل فرسك، هكذا أفادنا أشياخنا ﵏، وهذا من جملة آداب الصائد، ولو استوعب ما يلزم المتصيد من الأدب ظاهرًا وباطنًا وشرعًا وعرفًا لطال الكتاب وكان ذلك الكتاب حجمًا، وفي هذا كفاية لمن وفق لاستعمال الدراية، نسأل الله المنان بفضله التوفيق لما يحبه ويرضاه بمنه وكرمه.
باب
في ما يعتمده الملك لخاصته في وقت الصيد وفي سيره ونزوله العمدة الكبرى والعروة الوثقى أن لا يغرر بنفسه في انفراده لما في ذلك من الغرر والضرر، حكي عن بعض الخلفاء وهو هشام، وكان مغرمًا بالصيد، فاتفق له أنه انفرد فصادف أعرابيًا في بيت شعر، وعنده فرس مرتبط عند بيته، فتشاجر الأعرابي، فأغلظ الأعرابي على الخليفة فهمّ عليه الخليفة فوثب الأعرابي إلى فرسه، فركبه وضرب الخليفة بالرمح فشجّه وأدماه، فلحقه الأتباع ومسكوا الأعرابي وأتوا به المخيم، فاعتذر الأعرابي وأطلق. والحكاية فيها طول وهذا ملخصها.
وقد شهر ما اتفق للملك الأشراف بن الملك المنصور قلاوون رحمهما الله، وذلك أن الأشراف خليل كان قد ركب اكديشًا وليس معه سيف، وبيده رقمة الطبل فاتفق ما قدر في اللوح المحفوظ بتروجة.
قال لمؤلف: ولا يجوز شرعًا أن يغرر الملك بنفسه بانفراده، وأن يضيع حق الرتبة، ويتكل على المقادير، فإن اتفق ما اتفق فلا تنفعه المعاذير.
1 / 6