إفحام المشركين بالقرآن وبلاغته وفصاحته
من المبشرات: أن وفد المشركين جاء إلى الحبيب بعد بعثته، وقالوا: يا محمد تقول: إن قرآنك عربي؟ قال: نعم، قالوا: لكننا وجدنا فيه ألفاظًا غير عربية، قال: اضربوا لي أمثلة، قالوا: من ضمن ذلك كلمة (قسورة) كما في قوله تعالى: ﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ﴾ [المدثر:٥٠ - ٥١]، والقسورة في اللغة: الأسد.
ثم قال لهم: وماذا بعد؟ قالوا: كلمة (كبارًا) كما في قوله تعالى: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا﴾ [نوح:٢٢] وقال: وماذا بعد؟ قالوا: كلمة (عجاب) كما في قوله تعالى: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص:٥].
فقال لهم: ائتوني بأبلغكم، فأحضروا قس بن ساعدة، وكان يضرب به المثل في البلاغة، فقال لهم الرسول ﷺ: لا تقصوا عليه شيئًا مما حدث بيني وبينكم.
فجاء قس وكان قد جاوز المائة من عمره، فقال له الحبيب: اجلس يا عماه، فجلس، ثم قال له: قف فوقف، فقال له: اجلس، فجلس بصعوبة، وقال: قف، فغضب قس وقال: ما هذا يا بن قسورة العرب، إن أباك كان رجلًا كبارًا، إن هذا لشيء عجاب؛ أتقيمني وتقعدني! والحق ما شهدت به الأعداء، لم يكلمه أحد أو حكى له، وإن الله ليؤيد هذا الدين برجال لا خلاق لهم.
وقس بن ساعدة كان بليغًا فكان يخطب في قريش وفي العرب ويقول: يا أيها الناس إن لله دينًا غير دينكم أو خيرًا من دينكم الذي أنتم عليه، ونبيًا قد حان حينه وجاء وقته، وأظلكم أوانه، فطوبى لمن آمن به فهداه، وويل لمن خالفه وعصاه، فبادروا إليه، وقائل يقول: ظهر النور، وبطل الزور، وبعث الله محمدًا بالحبور، -ها هو يذكره بالاسم- صاحب النجيب الأحمر، والتاج والمغفر، والوجه الأزهر، والحاجب الأقمر، والطرف الأحور.
فذلكم محمد المبعوث إلى الأسود والأحمر.
2 / 8