[62_2]
لحديث من أرادك بحديثه، حتى تنقضه عليه بالخوض في غيره أو المسألة عما ليس منه، فإن ذلك عند العامة منسوب إلى سوء الفهم، وقصر الأدب، عن تناول محاسن الأمور والمعرفة بمساويها، ولكن أنصت لمحدثك وأرعه سمعك، حتى يعلم أن قد فهمت حديثه، وأحطت معرفة بقوله، فإن أردت إجابته فعن معرفة بحاجته، وبعد علم بطلبته، وإلا كنت عند انقضاء كلامه كالمتعجب من حديثه بالتبسم والإغضاء، فأجزى عنك الجواب، وقطع عنك ألسن العتب.
إياك وأن يظهر منك تبرم بطول مجلسك، أو تضجر ممن حضرك وعليك بالتثبت عن سورة الغضب، وحمية الأنف، وملال الصبر في الأمر تستعجل به، والعمل تأمر بإنفاذه، فإن ذلك سخف شائن، وخفت مردية، وجهالة بادية، وعليك بثبوت المنطق، ووقار المجلس، وسكون الريح، والرفض لحشو الكلام، والترك لفضوله، والإغرام بالزيادات في منطقك، والترديد للفضك من نحو أسمع وأفهم عني ويا هناه، وألا ترى، أو ما يلهج به من هذه الفضول المقصرة بأهل العقل، والشائنة لذوي الحة في المنطق، المنسوبة إليه بالعي، المردية لهم بالذكر، وخصال من معايب الملوك، والسوق عنها غبية النظر، إلا من عرفها من أهل الأدب، وقلما حامل لها، مضطلع بها، صابر على ثقلها، آخذ لنفسه بجوامعها، فأنفها عن نفسك بالتحفظ منها، وأملك عليها اعتيادك إياها معتنيا بها، منها كثرة التنخم والتبصق والتنخع، والثؤباء والتمطي والجشاء، وتحريك القدم، وتنقيض الأصابع، والعبث بالوجه واللحية أو الشارب أو المخصرة أو ذؤابة السيف أو الإيماض بالنظر، أو الإشارة بالطرف إلى بعض خدمك بأمر إن أردته، أو السرار في مجلسك، أو الاستعجال في طعمك أو شربك، وليكن طعمك متدعا وشربك أنفاسا ، وجرعك مصا وإياك والتسرع في الأيمان فيما صغر أو كبر من الأمور، والشتيمة بقول يا أبن الهناة، أو الغميزة لأحد من خاصتك، بتسويغهم مقارفة الفسوق بحيث
Page 62