[56_2]
إفاضتهم عندك بما تكره أن ينتشر عنك من سخافة الرأي، وضياع الحزن، ولا يغلبن عليك هواك فيصرفك عن الرأي، ويعطيك دون الفكر. وتعلم أنك وأن خلوت بسر فألقيت دونه سترك، وأغلقت عليه أبوابك، فلذلك لا محالة مكشوف للعامة، ظاهر عنك وإن استترت بربما ولعل، وما أرى إذاعة ذلك، فاعلم بما يرون من حالات من ينقطع به في تلك المواطن، فتقدم في إحكام ذلك من نفسك وسد خلله غنك، فإنه ليس أحد أسرع إليه سوء القالة، ولغط العامة بخير أو شر، ممن كان في مثل حالك ومكانك الذي أصبحت فيه من دين الله والأمل المرجو المنتظر فيك.
ثم حذره من مسائل لها مساس عظيم بمن لهم السلطان على الناس، فكلمه في أمور عامة تنتظم بسيره وبسيرته فقال له: وإياك أن يغمر أحد من حامتك وبطانة خدمك، بضعفة يجد بها مساغا إلى النطق عندك بما لا يعتز لك عيبه، ولا تخلو من الأحدوثة لائمته، ولا تأمن سوءا فيه، ولا يرخص سوء القالة فيه، إن نجم ظاهرا، أو أعلن باديا، ولن يجترئوا على تلك عندك، إلا أن يروا منك إصغاء إليعا، وقبولا لها، وترخيصا لهم في الإفاضة بها، ثم إياك أن يفاض عندك بشيء من الفكاهات والحكايات، والمزاح والمضاحك التي يستخف بها أهل البطالة، ويتسرع نحوها ذوو الجهالة، ويجد فيها أهل الحسد مقالا لعيب يذيعونه، ولطعن في حق يجدونه، مع ما في ذلك من نقص الرأي ودرن العرض، وهدم الشرف وتأثيل الغفلة، وقوة طباع السوء الكامنة في بني آدم. كمون النار في الحجر الصلد، فإذا قدح لاح شرره، وتلهب وميضه، وقد تضرمه، وليست في أحد أقوى سطوة، وأظهر توقدا وأعلى كمونا، وأسرع إليه بالعيب، وتطرق الشين، منها إلى من كان في سنك من إغفال الرجال، وذوي العنفوان في الحداثة الذين لم يقع عليهم سمات الأمور ناطقا عليهم لائحها، ظاهرا عليهم وسمها، ولم تمحضهم
Page 56