Ulum al-Hadith wa Mustalah
علوم الحديث ومصطلحه
Maison d'édition
دار العلم للملايين
Numéro d'édition
الخامسة عشر
Année de publication
١٩٨٤ م
Lieu d'édition
بيروت - لبنان
Genres
الرجال وتاريخهم وطبقاتهم والعناية بمواليدهم ووفياتهم، وقال سُفيان الثوري (- ٦١ هـ) موضِّحًا سبب الاشتغال بهذا كله: «لَمَّا اسْتَعْمَلَ الرُّوَاةُ الْكَذِبَ اسْتَعْمَلْنَا لَهُمُ التَّارِيخَ» (١)، بل استعمل نُقَّادُ الحديث التحديد الجغرافي أَيْضًا لفضح الكذَّابين وكشف أساليبهم في الوضع أو التدليس، فلا يذكر ثقاتهم إسنادًا فيه رجال رحلوا وأكثروا الترحل وطوفوا بالأقاليم إلاَّ قيدوا أسماء هؤلاء الرجال باسم البلد الذي حدَّثُوا فيه (٢).
ومهما يكن من الرحلة في الحديث متاجرة به وتكسُّبًا، أو طلبًا للشهرة وافتخارًا، فإنَّ الورعين الذين كانوا يحدِّثُون احتسابا لوجه الله هم الذين ملأوا الأرض علمًا بِسُنَّةِ رسول الله ﷺ، ولقد كانوا في كل زمان ومكان أكثر من أنْ يخفوا، وأجل آثارًا من أنْ يهملوا، وأقوى نفوسًا من أنْ يسدل عليهم التاريخ ستار النسيان. وحسبنا - للاستدلال على دقة المُحَدِّثِينَ في قبول الروايات - أنهم صَرَّحُوا «بِأَنَّ الْكَاذِبَ فِي غَيْرِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
_________
= الحديث. غير أنه ما لبث أنْ نكص على عقبيه لما رأى ابن الأثير في السياق نفسه يَرُدُّ فرية ابن الجوزي عن السمعاني ويرى أنَّ صاحب " الأنساب " أسمى من أنْ يكذب. وأنه رحل حقًا إلى «ما وراء النهر»، وأنَّ له في ذلك الموضع شيوخا معروفين. وإنما رماه ابن الجوزي بذلك لاختلافهما في المذهب، فالسمعاني كان شافعيًا، وابن الجوزي كان حنبليًا. وقارن بـ Goldziher، Etudes sur la Tradition Islamique، p. ٢٢٩ - ٢٣٠. ومن المعروف أنَّ ابن الجوزي كان يتسرَّعُ في الحُكم بالوضع حتى قيل: «لاَ عِبْرَةَ بِمَوْضُوعَاتِهِ».
(١) " الكفاية ": ص ١١٩.
(٢) من الأمثلة على هذا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الِعيَاضِيِّ، وَالحَسَنُ بْنِ حَفْصٍ الْنَّهْرَوَانِيُّ بِسَمَرْقَنْدَ (" تاريخ بغداد " ١٣/ ٤٣٦). أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحَرِيرِيُّ، بِبَغْدَادَ (" الكفاية ": ص ١٢٣). أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ بِمَرْوَ (" الجامع ": ٨/ ١٥٧ وجه ٢) وسمع الإمام البخاري ببغداد من طائفة منهم أحمد بن حنبل (" شذرات الذهب " ٢/ ٥٧ - ٦٠) وسمع بمكة من الحميدي (" طبقات الشافعية ": ص ٥). ولذلك كان المحدثون يمتحنون الراوي بالسؤال عن الموضع الذي سمع فيه (" الجامع ": ١/ ١٧ وجه ١ و٢).
1 / 71