Ulum al-Hadith wa Mustalah
علوم الحديث ومصطلحه
Maison d'édition
دار العلم للملايين
Numéro d'édition
الخامسة عشر
Année de publication
١٩٨٤ م
Lieu d'édition
بيروت - لبنان
Genres
حتى ضَجَّ منها العلماء المخلصون بالأمصار، وراحوا يقاومونها بكل ما أُوتُوا مِنْ قُوَّةٍ.
مُقَاوَمَةُ المُتَسَاهِلِينَ بِالحَدِيثِ:
من هؤلاء العلماء أبو بكر أحمد المعروف بالخطيب البغدادي (- ٤٦٣ هـ) فقد أشار إلى هذه الحال المخزية التي وصل إليها الذين يُسَمُّونَ أنفسهم في عهده رُواة الحديث بُهتانًا وزُورًا، فقال في كتابه " الكفاية في علم الرواية " في المقدمة: «... وَقَدِ اسْتَفْرَغَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ زَمَانِنَا وُسْعَهَا فِي كَتْبِ الأَحَادِيثِ وَالمُثَابَرَةِ عَلَى جَمْعِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْلُكُوا مَسْلَكَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَيَنْظُرُوا نَظَرَ السَّلَفِ الْمَاضِينَ فِي حَالِ الرَّاوِي وَالْمَرْوِيِّ، وَتَمْيِيزِ سَبِيلِ الْمَرْذُولِ وَالرَّضِيِّ، وَاسْتِنْبَاطِ مَا فِي السُّنَنِ مِنْ الأَحْكَامِ، وَإِثَارَةِ الْمُسْتَوْدَعِ فِيهَا مِنَ الْفِقْهِ بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ، بَلْ قَنَعُوا مِنَ الْحَدِيثِ بِاسْمِهِ، وَاقْتَصَرُوا عَلَى كَتْبِهِ فِي الصُّحُفِ وَرَسْمِهِ، فَهُمْ أَغْمَارٌ، وَحَمَلَةُ أَسْفَارٍ، قَدْ تَحَمَّلُوا الْمَشَاقَّ الشَّدِيدَةَ، وَسَافَرُوا إِلَى الْبِلْدَانِ الْبَعِيدَةِ، وَهَانَ عَلَيْهِمُ الدَّأَبُ وَالكَلاَلُ، وَاسْتَوطَئُوا مَرَاكِبَ الْحِلِّ وَالاِرْتِحَالِ، وَبَذَلُوا الأَنْفُسَ وَالأَمْوَالَ، وَرَكِبُوا الْمَخَاوِفَ وَالأَهْوَالَ، شُعْثَ الرُّؤُوسِ، شُحْبَ الأَلْوَانِ، خُمْصَ الْبُطُونِ، نَوَاحِلُ الأَبْدَانِ، يَقْطَعُونَ أَوْقَاتَهُمْ بِالسَّيْرِ فِي الْبِلاَدِ لِمَا عَلاَ مِنَ الإِسْنَادِ، لاَ يُرِيدُونَ شَيْئًا سِوَاهُ وَلاَ يَبْتَغُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ، يَحْمِلُونَ عَمَّنْ لاَ تَثْبُتُ عَدَالَتُهُ، وَيَسْمَعُونَ مِمَّنْ لاَ تَجُوزُ أَمَانَتُهُ، وَيَرْوُونَ عَمَّنْ لاَ يَعْرِفُونَ صِحَّةَ حَدِيثِهِ، وَلاَ يَتَيَقَّنُ ثُبُوتُ مَسْمُوعِهِ، وَيَحْتَجُّونَ بِمَنْ لاَ يُحْسِنُ قِرَاءَةَ صَحِيفَتِهِ، وَلاَ يَقُومُ بِشَيْءٍ مِنْ شَرَائِطِ الرِّوَايَةِ، وَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ السَّمَاعِ
1 / 67