وصل أذنيها الصوت الخشن المألوف: «حميدة»، فأسدلت بسرعة ثوبها فوق ساقيها، ورفعت الجردل المملوء بالماء وسكبته فوق الشاة، غسلت عنقها من الدم المتجمد، وأدخلت خراطيم الماء في بلعومها المقطوع فاندفع الماء من فمها وأنفها كالنافورة، ضحك الأطفال السبعة في سعادة، فاليوم هو العيد، والشاة قد ذبحت، والأواني والصحون فوق المائدة أعدت.
وحل موعد الغداء، وجلس الجميع يأكلون فيما عدا الأم، التي كانت قد ماتت في حجرة النوم، وحميدة التي كانت لا تزال بجوار الجردل، تسكب الماء على الجسد الميت، وتملأ كفها الصغيرة بالشامبوه، وتدلك الشعر الغزير، وتدخل أصبعها الصغير في الأذن الكبيرة وتغسلها، والعين المغمضة ترفع عنها الجفن المسدل وفتحة الأنف، والفم، والعنق، والشعر الأسود تحت الإبطين، وأسفل البطن.
غسلت الفخذين بعناية من تحت ومن فوق ومن الوسط، اتسعت عيناها بالدهشة، كان الوسط أملس بغير عضو، مسدودا يعلوه شق طويل كالجرح القديم.
هبطت أصابعها المرتجفة إلى الساقين، ودست الليفة بين الأصابع الملتصقة وغسلت الحوافر، كانت بقايا طين لا تزال عالقة بالحافر، طين أسود تتخلله خطوط صفراء كقش التبن الذي يفرش به الزرائب.
سمعت من خارج الباب الصوت الخشن الآمر: لا تضيعي الوقت في الحوافر، سنعطيها صدقة للجزار.
شدت من فوق رف الكتب جريدة الصباح ولفت بها الحوافر، فوق الصفحة الأولى لمحت صورة مليئة بالوجوه المستديرة، المكتظة باللحم، تعرفت في الوسط على وجه سيدها، كانوا يجلسون على شكل دائرة، الصحون أمامهم ممتلئة مرتفعة كأهرامات مدببة وسكاكين لامعة تتهاوى في انتظام فوق الأهرامات، وتناقصت الأهرامات بسرعة كبيرة حتى اختفت ولم يبق في الصحون إلا فتات.
ظنت أن الأهرامات تلاشت، لكنها دققت النظر في الجريدة فوجدت الأهرامات كما كانت مرتفعة وعالية ومدببة، ولكنها أصبحت في مكان آخر من الصورة، في موقع آخر بين المائدة والمقاعد ترتفع من أسفل فوق الفخذين وتعلو حتى المثلث المنفرج في نهاية الضلوع، تحت القلب مباشرة.
وانزلقت أصابع حميدة فوق القلب الأملس، ارتجفت يدها وهي تقطع الشريان العلوي وتشطر القلب بالسكين لتغسله من الداخل، كثيرا ما فعلت ذلك بقلوب الدجاج والأرانب والإوز، ولكن قلب الشاة كبيرة الحجم لا يزال ساخنا، وعضلاته لا تزال تنبض بذبذبة مرتعشة خفية، تسري في أصابعها الصغيرة، وتنتقل الرعشة إلى ذراعها وصدرها وقلبها الذي أصبح يدق بسرعة أكثر.
سقطت من جوف القلب المشطور جلطة دم حمراء، انزلقت فوق رخام الحوض، وسقطت فوق قدمها الصغيرة، انثنت ومدت يدها لترفع الجلطة عن قدمها، لكن عينيها ارتطمتا ببطن ساقها الطويلة النحيلة يجري فوقها شريط طويل رفيع أحمر، ظنت أنه شريان تحت الجلد لكنه كان يتحرك هابطا فوق البشرة، لمسته بطرف أصبعها، ثم قربته من عينيها، كان الأصبع مبللا بدم حقيقي.
رفعت جذعها إلى فوق، فالتقت عيناها المذعورتان بعيني أمها، عينان خاليتان من الفزع، باردتان كبركة ماء آسنة، صامتتان كالقبر، ثابتتان كعيني إنسان ميت، أسدلت الجفنين فوق العينين الميتتين وأسدلت الغطاء فوق الرأس والجسد، سمعت صوت أمها الخافت من بعيد كأنما يأتي من تحت الأرض: «بلغت يا حميدة!» وناولتها سروالا من الدمور الأسمر، لبسته حميدة تحت الجلباب مرة ولآخر مرة، فلم يحدث أن خلعته بيديها، وإنما هما يدان أخريان، أصابعهما غليظة مفلطحة، ورائحتهما غريبة يفوح منهما التبغ. التبغ تعرف رائحته حميدة، كانت تشتريه من الدكان لأبيها أو أخيها أو خالها أو عمها أو أي رجل آخر من الأسرة، وحينما تقربه من أنفها تعطس وتسعل.
Page inconnue