النهار كان قد انتصف، والشمس أصبحت متوهجة، ينعكس قرصها الأحمر فوق الأزرار النحاسية المستديرة، فتبدو كعشرين قرصا شمسيا تدمع العين لمجرد النظر إليها، ولا تقوى على الحملقة فيها فتطرق إلى الأرض، لكن الأرض تلتهب تحت قدميها الحافيتين بسخونة لم تعهدها في الأرض من قبل، وحذاؤه ذو الرقبة الطويلة يدب بصوت معدني غريب، يشبه احتكاك الحديد بالحديد، وخطوته واسعة، وقدمه حين ترتكز على الأسفلت تصبح ثابتة، والقدمان ترتفعان إلى ساقين طويلتين داخل بنطلون من قماش سميك له جيب طويل كالسرداب تختفي فيه آلة صلبة حادة، وتتدلى بحذاء فخذه.
دخلا من الشارع الواسع إلى شارع ضيق، الأصابع الطويلة لا تزال تلتف حول ذراعها، لكنها ليست خمسة أصابع كما كانت، أصبحت أربعة أصابع، أما الأصبع الخامس فقد انفصل عن بقية الأصابع وصعد وحده إلى أعلى، فوق الذراع الناعمة، حذرا متلصصا، ثم دفن رأسه الأسود الغليظ تحت الإبط الأملس الطفولي الذي لم ينبت فيه الشعر بعد.
شدت ذراعها، لكن الأصابع الأربع تقلصت على لحمها الطري، والأصبع الخامس امتد من تحت الإبط واصلا ببوزه الأسود المدبب حتى الارتفاعة الناعمة لبرعم الثدي، يضغط عليه ضغطات حذرة مرتعشة متقطعة، تزداد شدة في ثنية شارع، أو خلف جدار، وتخف أو تنعدم تماما في وسط الشارع، وأحيانا يتراجع الأصبع الخامس سريعا ويلتصق بإخوته الأربعة حين يمران أمام حشد من الناس.
ملأت أنفها فجأة رائحة نتنة، ووجدت نفسها في زقاق ضيق مظلم، أمام باب خشبي صغير، رأته يتوقف، أخرج من جيبه مفتاحا، دفعها أمامه إلى الداخل ثم أغلق الباب.
لم تر شيئا أول الأمر؛ فالظلام دامس، أشعل بعود ثقاب مصباح جاز صغير فظهرت على الفور أرض بلاط ضيقة، في أحد أركانها بساط يشبه الحصيرة ونافذة حديدية صغيرة فوقها قلة ماء، جدران الحجرة تبدو في الضوء الخافت رمادية يعلوها سواد كالهباب الذي يحدث من موقد الجاز، على أحد الجدران مسمار عليه بدلة من قماش سميك يشع من فوقه صدرها وكتفيها العريضتين المحشوتين أزرار نحاسية صفراء، لمعت في الظلام كعيون مفتوحة مريضة بالتهاب الكبد الفيروسي، على الأرض استقر الحذاء الضخم برقبته الطويلة كحيوان بغير رأس، وإلى جواره سروال أبيض اصفر ظهره واسود بطنه، تفوح منه رائحة بول قديم.
رفعت رأسها من فوق البلاط فرأته واقفا عاريا، كتفاه العريضتان أصبحتا نحيلتين ضامرتين عظامهما بارزة، وساقاه أصبحتا نحيلتين ضامرتين عظامهما بارزة، وساقاه أصبحتا رفيعتين معوجتين، وقدماه الضخمتان السميكتان المرتفعتان عن الأرض أصبحتا لا يفصلهما عن البلاط شيء، والآلة الحادة الصلبة التي كانت مختفية في جيبه أصبحت ظاهرة.
شهقت بدهشة مليئة بالذعر، قاومت الذعر برد فعل غريزي، لكنه طرحها على الأرض، وشد بأصبعه الغليظ جلبابها من فتحة العنق فانشطر الثوب البالي شطرين، ولم يكن هناك ملابس داخلية تحت الجلباب.
قالت بصوت ضعيف مشروخ: أنت مين؟
رد بصوت آمر غليظ: أنا الحكومة.
قالت: ربنا يطول عمرك سيبني أروح.
Page inconnue