8
الغادرة الفاجرة الزنيم! حقا إن الآلهة لا تملك أن تحول بين المرء وبين المنون ما دام قد جاء أجله مهما يكن حبيبها وأعز عبادها عليها.»
وعبس تليماك عبوسة خفيفة وقال: «مهما يكن من الأمر فلندع هذا الآن يا منطور، إنني لا أمل لي مطلقا في عودة أبي، ولكنها أقضية من السماء ومقادير أن أذرع وراءه البحار، وأن أعود فأسأل فخر اليونان نسطور، اللبيب الأريب الذي حكم كما هو مأثور أجيالا ثلاثة، والذي يتألق في عينيه سناء الآلهة ... أعود فأسائله كيف قتل أجاممنون؟ وكيف تهيأ لإيجستوس أن يقتله، وهو من هو أعلى منه نسبا وأعز حسبا وأشرف قدرا؟ وأين كان منلوس الملك شقيق أجاممنون؟ ألم يكن قد عاد بعد إلى أرض الوطن؟ أم كان لا يزال يطوي الآفاق، فشجع ذلك إيجستوس ونفخ في قلبه؟»
وقال نسطور: «رويدك أيها الصديق الشاب؛ فإني قاص عليك نبأ ما لم يأتك به علم؛ تالله لو لم يقتل إيجستوس قبل عودة منلوس ما أقيم على رفاته جدث، وما بكت عليه عين، ولألقي بدنه النجس لكلاب البرية وطير الفلاة تنوشه وتمزقه وتغتذي به جزاء فعلته الشنعاء وجرمه الذميم وخطيئته التي لا تغتفر، أصغ إلي؛ لقد أناب منلوس عنه حارسا أمينا يسهر على أمور المملكة، ذاك هو أتريدس الحميم الذي تغفله إيجستوس، واتصل بمولاته سرا وهو لا يدري، واستطاع أن يدبر معها هذه المؤامرة الشنيعة التي انتهت بنفي الحارس الأمين ثم قتله في برية موحشة غالبته فيها السباع الضارية والأوابد
9
الكاسرة، حتى إذا خلا لهما الجو أسلست له المملكة القيادة فحكم وساد، وطغى واستبد، وسلط على البلاد أعواما سبعة طوالا ... كل هذا والسماء ساهرة لا تغفل، فقد عاد أورست ابن الملك الغائب وابن الملكة الفاجرة، فأنقذ عرض أبيه وقتل الوحش اللئيم الذي دنس شرف المملكة ولطخ بالوحل هذا المجد الأثيل، ثم قتل أمه ... أجل، قتل أمه وجمع حوله الأرجيف البؤساء يحتفلون بهذا النصر ويصلون للآلهة التي أنقذتهم من ذاك الشر، وبينا هم في أفراحهم وانشراحهم إذا بالملك العظيم يصل بأساطيله بعد رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر؛ فلقد أبحرنا (أنا ومنلوس) من طروادة معا، وما كدنا نبلغ صنيوم،
10
أول مرافئ أثينا، حتى وقع ما لم يكن لنا بحسبان؛ ذلك أن رب الشمس أبوللو غال بسهامه التي لا تطيش ربان الأسطول العظيم فرونتيس، فاضطر الملك أن يلقي مراسيه حتى يصلي على صديقه ويقيم الشعائر على جثمانه، ثم أقلع وما كاد حتى اضطرب البحر وفغرت اللجج أفواهها، وتدافع الموج حول الأسطول كالجبال، وعتم الجو، وغامت السماء، وانقضت الصواعق، فانشعب الأسطول، وتفرقت سفائنه وانشطرت وحداته؛ فبعضها شرق، وبعضها غرب، وبعضها يمم شطر سيدورن عند كريت، وبعضها اتجه برغمه نحو شطآن مصر، وبعضها غاص إلى الأعماق، وخمس فقط، وصلت بعد طول الجهد إلى هنا.» «بني، أيها الصديق الشاب، أخلق بك أن تذهب من فورك إلى منلوس فتسائله عن أبيك؛ فلقد لقي الأهوال في البحر، ولا ريب أنه سمع كثيرا مما جرى فيه من مختلف الأمم في رحلته المشئومة. هلم، انطلق إليه، وإن لم تسعفك سفينتك فإني ممدك بكل ما تحتاج من مركب البر أو البحر، وها هم أولاء رجالي معك أينما توجهت، بل ها هم أولاء أبنائي، ليصحبك أحدهم أو كلهم إلى منلوس؛ فإن عنده الخبر اليقين.»
وكانت الشمس قد توارت بالحجاب، والليل قد نشر ظلامه فوق الطبيعة المنهوكة الخامدة، فنهضت ابنة زيوس العظيم، مينرفا الخالدة، وهي لا تزال في صورة منطور أمير البحر وطيلسانه، فقالت: «مرحى يا فخر هيلاس! لقد قلت حقا وتكلمت صدقا، هلم البدار البدار، قطعوا ألسن القرابين
11
Page inconnue