وهي التي كانت تعاصر هوميروس، والتي قال عنها هوميروس في الإلياذة في الأنشودة التاسعة في الأبيات 381-382 ما يأتي:
طيبة ذات الأبواب المائة التي يهجم من كل باب منها مائتا محارب بالجياد والعربات.
وهذا الوصف في رأي ماير وصف لمدينة طيبة في عهد الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين، وهي التي عرفها أحد اليونان وهم الآخيون. وكان بين هؤلاء الآخيين وبين ملوك هاتين الأسرتين صلات وعلاقات وثيقة جدا، كما دلت على ذلك الهدايا المختلفة التي تبودلت بين ملوك مصر وملوك الميسينيين أو الآخيين. وحقيقة الأمر أن أحدا لم يذكر شيئا عن حفر السور العظيم المحيط بمدينة طيبة الذي به مائة باب؛ لذلك فإن الأبيات التي أوردها هوميروس عن طيبة لا تدل على شيء، ولا تدل على أنه يقصد بها طيبة في الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين أو في عهد شيشونج، وإنما هي من نوع أدب اليونان، فيقال طيبة ذات الأبواب المائة، دون تحديد على وجه الدقة.
أدب ما قبل العصر الهومري
ولا تشتمل القصائد الهومرية على الناحية المادية فقط، وإنما تتحدث عما ورثته من الحضارة الإنسانية عن الآخيين؛ فهي تحدثنا مثلا عن العادات والأخلاق التي كانت سائدة بين أجداد اليونان، كالعادات المتبعة في حفلات عقد الزواج. ومن كل هذا نستنتج أن هذا الشعر الهومري قد سبقه شعر آخر؛ لذلك يجب أن نفترض وجود أدب سابق على الأدب الهومري، ولكن ما هو هذا الأدب؟ من العسير علينا معرفة ماهية هذا الأدب من الناحية الإيجابية، ولكن من السهل معرفته من الناحية السلبية؛ فقد تصور العالم القديم وجود أدب قبل العصر الهومري. وليس هذا التصور من التاريخ في شيء وإنما يدخل في باب الخرافات؛ فمثلا الخرافة التي حيكت حول الشاعر أورفيوس
Orpheus
إنما نبتت في عهد متأخر وظهرت في أثينا في القرن السادس قبل الميلاد في عهد بيزستراتوس، وهي تمثل رد الفعل الذي حدث في ذلك العهد ضد شعر هوميروس الذي كان يرى الأثينيون في ذلك الوقت أنه شعر مخالف للأخلاق لسبب بسيط جدا، وهو أن الآلهة التي ورد ذكرها في الإلياذة والأوديسة لم تهتم كثيرا بالأخلاق؛ لذلك تصوروا هذه الخرافة التي ترتكز على أساس كبير من الأخلاق. وكان أول من بدأ ذلك الميل الأخلاقي هو الشاعر الإغريقي هسيود الذي عاش في ذلك الوقت تقريبا أو بعده بقليل. وقد كان حول الطاغية بيزستراتوس طائفة كبيرة من الشعراء والأدباء منهم الشاعر المشهور أونوما كريت
Onomacrite
الذي قام بدور يشبه الدور الذي يقوم به وزير الثقافة أو وزير التربية والتعليم في عصرنا الحاضر، في الإشراف على الأدب والثقافة العامة وكل ما يمت إلى الأدب بصلة قريبة أو بعيدة. إذن فقد انتشرت الخرافة التي حيكت حول أورفيوس، وكثر أتباع هذا المذهب الأخلاقي. وكان هذا الانتشار عظيما جدا في القرن السادس في جنوب إيطاليا وبلاد اليونان، وكان له تأثير عظيم جدا في شعراء القرن الخامس قبل الميلاد. •••
نعود فنتساءل عن ماهية الأدب الذي كان يسبق أدب هوميروس.
Page inconnue