34
يقاسي أشد الآلام، وقد أنهك المرض جسمه لمدة طويلة بسبب مهاجمة أحد الآلهة القساة له، غير أنه إكراما لخاطرهم تنقذه الآلهة من محنته. هكذا أيضا كانت اليابسة موضع ترحيب أوديسيوس وغبطته، فأخذ يجد في السباحة متلهفا إلى أن يطأ البر بقدمه. غير أنه ما إن صار على مدى الصوت من الشاطئ، عندما يصيح المرء ، وسمع دوي البحر وهو يرتطم بالصخور - إذ كانت الموجة العظيمة تزأر فوق اليابسة ، منقضة فوقها بصورة فظيعة مروعة، ولف زبد البحر كل شيء؛ إذ لم تكن هناك موانئ يمكن للسفن أن تلجها ولا طرق، بل مرتفعات ناتئة داخل البحر، وصخور وجروف - عندئذ وهنت ركبتا أوديسيوس وذاب قلبه، وإذ بلغت روحه التراقي، تكلم مخاطبا نفسه العتيدة بقوله: «ويل لي، ما أتعسني! أعندما يمن علي زوس أخيرا، بأن أرى اليابسة، بعد أن فقدت كل أمل، وتغلبت على جميع الصعاب، فشققت طريقي خارجا من تلك الهوة، لا يبدو لي في أي مكان، سبيل إلى الخروج من هذا البحر السنجابي؟ فمن الخارج الصخور حادة صلبة، ومن حولها تزأر اللجة وتزبد، وتقف الصخرة عمودية شامخة والمياه قريبة جدا من الشاطئ. حتى إنه ليتعذر عليك أن تقف ثابتا بكلتا قدميك ناجيا من الهلاك، فلو سعيت قاصدا البر، لأمسكت بي موجة عاتية وهشمتني فوق الصخور الحادة، فيضيع كفاحي هكذا أدراج الرياح، ولكني إذا سبحت إلى مسافة أبعد، أملا في العثور على شواطئ منحدرة،
35
وموانئ بحرية، خشيت أن تلحق بي الريح العاصفة ثانية، وتحملني وأنا أئن فوق اليم الزاخر أنينا شديدا، أو أن إلها ما قد يسلط علي وحشا ضخما من جوف البحر - وإن أمفيتريتي
Amphitrite
36
المجيدة لتلد كثيرا من أمثال هذه الوحوش - لأنني أعلم يقينا أن مزلزل الأرض المجيد، يحقد علي حقدا بالغا.»
أوديسيوس يتعلق بصخرة
وبينما هو متحير هكذا، في عقله وقلبه، حملته موجة هائلة نحو الشاطئ الوعر. هناك كاد جلده يتسلخ، وعظامه تتحطم، لولا أن الربة، أثينا ذات العينين النجلاوين، وجهت عقله وأملت عليه خطة، فأسرع إلى الأمام يمسك بالصخرة بكلتا يديه، متعلقا بها وهو يئن، إلى أن مرت الموجة العظيمة. وهكذا نجا من تلك اللجة، ولكنها وهي عائدة انقضت عليه مرة أخرى، وجرفته بعيدا إلى البحر. وكما يحدث إلى سمك السبيط عندما يجرف من جحره، يتعلق بممصاته كثير من الحصباء، هكذا أيضا تسلخت من يديه قطع من الجلد على الصخور، وغطته الموجة الهائلة. وعندئذ حقا كاد أوديسيوس يقضي نحبه قبل أوانه، لو لم تعطه أثينا المتألقة الناظرين سواء البصيرة، فشق طريقه بعيدا عن الموجة حيث تدفقت بقوة على الشاطئ، سابحا إلى الخارج، متجها ببصره نحو البحر أملا في أن يجد شواطئ منحدرة، وموانئ بحرية، فوصل إلى مصب نهر معتدل الجريان؛ إذ بدا له أنه خير مكان يناسبه؛ لأنه كان أملس الصخور، وبمنأى عن مهب الرياح، فعرف أوديسيوس النهر وهو يجري متدفقا، وصلى له في قلبه قائلا: «استمع إلي، أيها الملك، كائنا من كنت، فها أنا ذا أقصدك كمن أتلهف إلى لقائه،
37
Page inconnue