Les écrivains arabes à l'époque abbasside
أدباء العرب في الأعصر العباسية
Genres
ومع اتصاله بالعباسيين لم يحسن رثاء واحد منهم؛ فقد مدح المأمون ولم يرثه، وبالغ في مدح المعتصم يوم كان متصلا به، فلما مات المعتصم لم يخصه بمرثية، بل جعل رثاءه في قصيدة هنأ فيها الواثق بالخلافة، فغلبت عليها صفة المدح؛ لأن الشاعر لم يقصد إلى الرثاء إلا على سبيل تعزية الابن بأبيه، أو ليأخذ بنوع طريف من البديع وهو الافتنان؛ أي أن يؤتى بفنين متضادين في قصيدة واحدة، كالتهنئة والتعزية، أو كالمدح والهجاء.
ومن ذلك نفهم أن الشاعر لم يكن شديد الإخلاص لبني العباس، وإنما توسل إليهم بمدائحه ليفيد منهم، ولا ينبغي أن ننسى تشيعه، وإن كان في تشيعه معتدلا حكيما.
وأكثر ما يستهل مراثيه بنعي الميت إلى أحياء العرب، أو بشكوى الدهر، أو بدعوة الناس إلى العويل، وإذا جاشت عاطفته واندفعت في حماستها، تضاءل عندها العقل فما تجد منه واعظا أو حكيما، بل ملتاعا متفجعا، وقد يرسل المثل السائر، ولكنه مثل عاطفي أكثر مما هو عقلي، كقوله في نسيبه محمد بن حميد الطوسي الطائي:
94
هيهات لا يأتي الزمان بمثله
إن الزمان بمثله لبخيل
فعمل العقل في رثاء أبي تمام وسط، وما العمل الأكبر إلا للاندفاع العاطفي، وأحسن مراثيه في محمد بن حميد هذا، ثم في خالد بن يزيد الشيباني.
95
عتابه
كان أبو تمام يضن بشعره أن يذهب ضياعا فما ينال به جائزة؛ فكان إذا أبطأ عليه ممدوحه عاتبه متلطفا، وذكره القصائد التي مدحه بها، ولكنه لا يلحف في عتابه ولا يهدد، بل يؤنب ممدوحه تأنيبا لطيفا، ويظهر له منزلة شعره في شيء من الترفع والإباء، ويطعن في شعر غيره فيجعله خسيسا مرذولا.
Page inconnue