Les écrivains arabes à l'époque abbasside
أدباء العرب في الأعصر العباسية
Genres
وهجاء بشار يجري بين الجزالة والسهولة، وأفخمه ما جاء في الأمراء والقبائل، وفيه من وضوح الألفاظ والتعابير ما يجعله يسير بين الناس هين الحفظ، فيتم للشاعر ما يريد من تشهير المهجو، وترك اسمه مضغة في الأفواه.
المدح
كان بشار يتخذ المدح آلة للتكسب، لا شغفا بمناقب الممدوح أو كلفا به؛ فلم تكن مناقب الناس - مهما حسنت - لتملك عاطفته أو لتهز فؤاده، وهو يبغض الناس ويرى نفسه فوقهم جميعا؛ لذلك لم يخلص في مدحه لأحد، وإنما كان يترقب غيث ممدوحه، فإذا أخلف أو أبطأ استمطره بالهجاء، فقد مدح سليمان بن هشام فلما استقل عطاءه هجاه، ومدح المهدي فلما أعرض عنه لم يحجم عن هجوه والقول فيه: «كذب أملي لأنني كذبت في قولي.» فهو يعترف بأنه مدحه كاذبا.
وتظاهر بالتشيع للعلويين شأن أبناء الفرس، فلما ثار إبراهيم بن الحسن على المنصور أرسل إليه قصيدة يمدحه بها ويهدد الخليفة، فلما علم أن إبراهيم قتل لم يأنف من إنكار تشيعه فغير القصيدة، وجعلها في مدح المنصور وتهديد أبي مسلم.
وله أسلوب في المدح يطلعنا على حقيقة نفسه الطماعة المتعجرفة ، فهو يمدح الشخص ويهدده إن لم يحسن صلته، وقد يتوسل بالوعظ والإرشاد، ولا يخلو مدحه من قحة في السؤال على تذمر لقلة العطاء، فيحض ممدوحه على الجود والسخاء.
ومدح بشار عقبة بن سلم أمير البصرة؛ فأحسن عطاءه، فزاده مدحا حتى قيل إن مدائحه فيه فوق كل مدائحه، وحدث أن وكيل عقبة أخر الجائزة عن بشار ثلاثة أيام؛ فأمر بشار غلامه بأن يكتب على باب عقبة أبياتا فيها يقول: «إن لم ترد حمدي فراقب ذمي.» فخاف عقبة، وضاعف الجائزة، وعجل بإرسالها إليه.
ففي هذا كله ما يدلنا على كذب بشار وعدم إخلاصه لممدوحيه، ولكنه كان يجيد المدح كما يجيد الهجاء؛ فهو شاعر مبدع صادق الشعور الفني وإن لم يكن صادق العاطفة، وأسلوبه في المدح عليه مسحة البداوة في استهلالاته وتعابيره، ولكنه يحليه بالمعاني الدقيقة الطريفة، ويرصعه بالاستعارات السائغة اللطيفة، فيخرج به عن خشونة البدو إلى نعومة الحضر، فإذا هو بين يديه وعليه جدة ريقة زاهية.
الغزل
لم يعرف بشار للحب معنى صحيحا، ولا اختلج فؤاده لمرأى الجمال وهو لا يراه، وإنما كان في نفسه حس دقيق ضاعف العمى قوته، فإذا به شديد الولوع باللذة، يسعى إليها ويتطلبها بإلحاف، وكائن
36
Page inconnue