Les voies judiciaires dans la politique légale

Ibn Qayyim al-Jawziyya d. 751 AH
79

Les voies judiciaires dans la politique légale

الطرق الحكمية في السياسة الشرعية

Maison d'édition

مكتبة دار البيان

Numéro d'édition

بدون طبعة وبدون تاريخ

وَأَيْضًا: فَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ الْيَمِينَ الصَّادِقَةَ لَا عَارَ فِيهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى: فَصَحِيحٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ عَارًا عِنْدَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ عَارًا فِي الْعَادَةِ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْمُبَاحَ لَا عَارَ فِيهِ عِنْدَ اللَّهِ، هَذَا إذَا عُلِمَ كَوْنُ الْيَمِينِ صَادِقًا، وَكَلَامُنَا فِي يَمِينٍ مُطْلَقَةٍ لَا يُعْلَمُ بَاطِنُهَا. قَالَ: وَدَلِيلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْأَخْذَ بِالْعُرْفِ وَاجِبٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف: ١٩٩] . وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ كَانَتْ دَعْوَاهُ يَنْفِيهَا الْعُرْفُ، فَإِنَّ الظَّنَّ قَدْ سَبَقَ إلَيْهِ فِي دَعْوَاهُ بِالْبُطْلَانِ، كَبَقَّالٍ يَدَّعِي عَلَى خَلِيفَةٍ أَوْ أَمِيرٍ مَا لَا يَلِيقُ بِمِثْلِهِ شِرَاؤُهُ، أَوْ تَطَرُّقُ تِلْكَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ. قُلْت: وَمِمَّا يَشْهَدُ لِذَلِكَ وَيُقَوِّيهِ: قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ - وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْهُ -: " إنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَرَأَى قَلْبَ مُحَمَّدٍ ﷺ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاخْتَارَهُ لِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَهُ، فَرَأَى قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاخْتَارَهُمْ لِصُحْبَتِهِ، فَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ ". وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ - بَلْ وَغَيْرَهُمْ - يَرَوْنَ مِنْ الْقَبِيحِ: أَنْ تُسْمَعَ دَعْوَى الْبَقَّالِ عَلَى الْخَلِيفَةِ أَوْ الْأَمِيرِ: أَنَّهُ بَاعَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلَمْ يُوَفِّهِ إيَّاهَا، أَوْ أَنَّهُ اقْتَرَضَ مِنْهُ أَلْفَ دِينَارٍ أَوْ نَحْوَهَا، أَوْ أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَتَهُ الشَّوْهَاءَ، وَدَخَلَ بِهَا، وَلَمْ يُعْطِهَا مَهْرَهَا. أَوْ تَدَّعِي امْرَأَةٌ مَكَثَتْ مَعَ الزَّوْجِ سِتِّينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَهَا: أَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا يَوْمًا وَاحِدًا، وَلَا كَسَاهَا خَيْطًا، وَهُوَ يُشَاهَدُ دَاخِلًا وَخَارِجًا إلَيْهَا بِأَنْوَاعِ الطَّعَامِ وَالْفَوَاكِهِ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهَا وَيُحَلَّفُ لَهَا، وَيُحْبَسُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ. أَوْ تُسْمَعُ دَعْوَى الذَّاعِرِ الْهَارِبِ وَبِيَدِهِ عِمَامَةٌ لَهَا ذُؤَابَةٌ، وَعَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ، وَخَلْفَهُ عَالِمٌ مَكْشُوفُ الرَّأْسِ، فَيَدَّعِي الذَّاعِرُ أَنَّ الْعِمَامَةَ لَهُ، فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَيُحْكَمُ لَهُ بِهَا بِحُكْمِ الْيَدِ. أَوْ يَدَّعِي رَجُلٌ مَعْرُوفٌ بِالْفُجُورِ وَأَذَى النَّاسِ عَلَى رَجُلٍ مَشْهُورٍ بِالدِّيَانَةِ وَالصَّلَاحِ: أَنَّهُ نَقَبَ بَيْتَهُ وَسَرَقَ مَتَاعَهُ، فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَيُسْتَحْلَفُ لَهُ، فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ. أَوْ يَدَّعِي رَجُلٌ مَعْرُوفٌ بِالشِّحَاذَةِ وَسُؤَالِ النَّاسِ: أَنَّهُ أَقْرَضَ تَاجِرًا مِنْ أَكْبَرِ التُّجَّارِ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ، أَوْ أَنَّهُ غَصَبَهَا مِنْهُ، أَوْ أَنَّ ثِيَابَ التَّاجِرِ الَّتِي هِيَ عَلَيْهِ مِلْكُ الشَّحَّاذِ شَلَحَهُ إيَّاهَا، أَوْ غَصَبَهَا مِنْهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الدَّعَاوَى الَّتِي شَهِدَ النَّاسُ بِفِطَرِهِمْ وَعُقُولِهِمْ: أَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْبَاطِلِ، فَهَذِهِ لَا تُسْمَعُ، وَلَا يَحْلِفُ فِيهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيُعَزَّرُ الْمُدَّعِي تَعْزِيرَ أَمْثَالِهِ. وَهَذَا الَّذِي تَقْتَضِيهِ الشَّرِيعَةُ الَّتِي مَبْنَاهَا عَلَى الصِّدْقِ وَالْعَدْلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾ [الأنعام: ١١٥] فَالشَّرِيعَةُ الْمُنَزَّلَةُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا تُصَدِّقُ كَاذِبًا، وَلَا تَنْصُرُ ظَالِمًا. [فَصَلِّ هَلْ السِّيَاسَة بِالضَّرْبِ والحبس للمتهمين فِي الدَّعَاوَى وَغَيْرهَا مِنْ الشِّرْع] ٣٢ - (فَصْلٌ)

1 / 81