Les voies judiciaires dans la politique légale
الطرق الحكمية في السياسة الشرعية
Maison d'édition
مكتبة دار البيان
Numéro d'édition
بدون طبعة وبدون تاريخ
امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُمَا عُضْوًا مِنْ النَّارِ» .
وقَوْله تَعَالَى: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى﴾ [البقرة: ٢٨٢]، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا نَسِيَ شَهَادَتَهُ فَذَكَّرَهُ بِهَا غَيْرُهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَى قَوْلِهِ حَتَّى يَذْكُرَهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَهُ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: ﴿فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَلَمْ يَقُلْ: فَتُخْبِرُهَا، وَفِيهَا قِرَاءَتَانِ: التَّثْقِيلُ وَالتَّخْفِيفُ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ مِنْ " الذِّكْرِ " وَأَبْعَدُ مِمَّنْ قَالَ: فَيَجْعَلُهَا ذِكْرًا، لَفْظًا وَمَعْنًى، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ ذَلِكَ عِلَّةً لِلضَّلَالِ الَّذِي هُوَ ضِدَّ الذِّكْرِ، فَإِذَا ضَلَّتْ أَوْ نَسِيَتْ ذَكَّرَتْهَا الْأُخْرَى فَذُكِّرَتْ، وَقَوْلُهُ: ﴿أَنْ تَضِلَّ﴾ [البقرة: ٢٨٢] تَقْدِيرُهُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ: لِئَلَّا تَضِلَّ إحْدَاهُمَا، وَيَطْرُدُونَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا جَاءَ مِنْ هَذَا، كَقَوْلِهِ: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: ١٧٦] وَنَحْوِهِ. وَيَرِدُ عَلَيْهِمْ نَصْبُ قَوْلِهِ: ﴿فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى﴾ [البقرة: ٢٨٢] إذْ يَكُونُ تَقْدِيرُهُ: لِئَلَّا تَضِلَّ، وَلِئَلَّا تُذَكِّرَ. وَقَدَّرَهُ الْبَصْرِيُّونَ بِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَهُوَ الْإِرَادَةُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْحَذَرُ وَنَحْوُهَا، فَقَالُوا: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا، أَيْ حَذَرَ أَنْ تَضِلُّوا، وَكَرَاهَةَ أَنْ تَضِلُّوا وَنَحْوَهُ. وَيَشْكُلُ عَلَيْهِمْ هَذَا التَّقْدِيرُ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا﴾ [البقرة: ٢٨٢] فَإِنَّهُمْ إنْ قَدَّرُوهُ كَرَاهَةَ أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا: كَانَ حُكْمُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ - وَهُوَ فَتُذَكِّرَ - حُكْمَهُ، فَيَكُونُ مَكْرُوهًا، وَإِنْ قَدَّرُوهَا، إرَادَةَ أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا كَانَ الضَّلَالُ مُرَادًا. وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا: أَنَّهُ كَلَامٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَعْنَاهُ، وَالتَّقْدِيرُ: أَنْ تُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى إنْ ضَلَّتْ، وَهَذَا مُرَادٌ قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
٦٥ - (فَصْلٌ)
قَالَ شَيْخُنَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى﴾ [البقرة: ٢٨٢]، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْتِشْهَادَ امْرَأَتَيْنِ مَكَانَ رَجُلٍ إنَّمَا هُوَ لِإِذْكَارِ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى إذَا ضَلَّتْ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَكُونُ فِيهِ الضَّلَالُ فِي الْعَادَةِ، وَهُوَ النِّسْيَانُ وَعَدَمُ الضَّبْطِ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ النَّبِيُّ ﷺ حَيْثُ قَالَ: " وَأَمَّا نُقْصَانُ
1 / 127