Le patrimoine classique : une très courte introduction
التراث الكلاسيكي: مقدمة قصيرة جدا
Genres
في الأساس هناك: الخرافة، والدين، والعقل، والإنسان
لا تزال الخرافات الإغريقية أحد أبرز السبل الشائعة التي يأسر بها التراث الكلاسيكي انتباهنا، بحيث يجتذبنا إلى التعرف على المزيد عنه. وهذه القصص يعاد حكيها على مدى الأدب القديم، ليس فقط في التراجيديات الإغريقية أو القصائد الملحمية لهوميروس (كالإلياذة ومغامرات البطل الوضيع أوديسيوس خلال رحلة العودة الطويلة إلى منزله وإلى زوجته الوفية بينيلوبي)، وإنما أيضا في نسخ هذه الخرافات التي رواها الكتاب الرومان. فالكاتب الروماني أوفيد مثلا، الذي عاصر فرجيل وهوراس، نسج في عمله «التحولات» تجميعة ضخمة من كل الخرافات المتعلقة بعملية «التحول». كانت هذه قصصا عن «تغير الشكل» من بداية الكون إلى وقته الحاضر: قصص دافني التي تحولت إلى شجرة غار بينما كانت تتفادى ملاحقات أبوللو، ولمسة ميداس الذهبية، وتحول يوليوس قيصر إلى إله عند موته، والعديد غيرها. كما أورد أوفيد خرافات أخرى في عمله «كتاب الأيام»، وهي قصيدة طويلة عن التقويم الروماني واحتفالاته الدينية المختلفة، حررها فريزر بنفسه وترجمها إلى عمل بارز آخر في مجلدات عدة.
على مدار الأعوام المائة الأخيرة بذل قدر كبير من التنظير في سبيل تفسير هذه الخرافات. على سبيل المثال استكشف سيجموند فرويد جذور الميثولوجيا الإغريقية وعمل النفس البشرية في الوقت الذي كان يتدبر فيه قصصا مثل زواج أوديب بأمه بعد أن قتل والده (ومن هنا جاءت «عقدة أوديب»)، أو افتتان نارسيسيوس بنفسه، والذي أغرم بصورته المنعكسة على صفحة الماء (ومن هنا جاءت «النرجسية»)، وهو حدث لا ينسى في قصيدة أوفيد. إن المعاني الموجودة في هذه القصص، رواياتها وتأويلاتها المتباينة، تتزايد، الزائف منها والملهم. وظاهرة «كرة الثلج» هذه دفعت أولئك الذين يدرسون اليونان وروما الكلاسيكيتين إلى إعادة التفكير، مرارا وتكرارا، ليس فقط بشأن ما كانت تعنيه الخرافات من قبل، ولكن أيضا بشأن الكيفية التي اختلفت بها عن تأويلاتها اللاحقة (وتعمقت بواسطتها). على سبيل المثال، ما الفارق الذي يحدثه أوديب فرويد بالنسبة لقراءتنا لمسرحية سوفوكليس «أوديب ملكا»؟ هل بات حتميا علينا الآن أن نقرأ ما كتبه سوفوكليس في ضوء تأويل فرويد؟
لكن بالنسبة لفريزر وجيله، كانت هناك قضايا أخرى على قائمة أهدافهم من وراء دراسة الميثولوجيا والثقافة الإغريقية، وخاصة قضية الدين. في سنوات ترعرع فريزر في أواخر القرن التاسع عشر، كان التراث الكلاسيكي يدرس في إطار مؤسسات مسيحية بالأساس. كانت الجامعات صغيرة الحجم ومحجوزة إجمالا للنبلاء وطلاب الدرجات الكهنوتية، وكان أغلب المدرسين من القساوسة. كان مجد اليونان وعظمة روما كلها تقريبا إنجازات وثنية. ورغم سيطرة الكنيسة على تعاليمها، استطاعت دراسة التراث الكلاسيكي أن تقدم سبيلا لفهم العالم بمنأى عن المسيحية. والأهم من ذلك أن سلطة التراث الكلاسيكي الوثني أمكن استخدامها في تصويب نطاق كامل من النهوج الراديكالية المتعارضة مع المؤسسة المسيحية الرسمية.
خضعت الخبرة الدينية للعالم القديم لدراسة مكثفة، من خرافات الأرباب والربات إلى طقوس تقديم القرابين الحيوانية على الملأ والنطاق العريض للعادات والتقاليد المحلية الغريبة. إن العوالم اليوتوبية التي حلم بها أفلاطون في القرن الرابع قبل الميلاد ووصفها تحديدا في محاورتيه «الجمهورية» و«القوانين»، شجعت المفكرين الراديكاليين على تأسيس فلسفة تعليمية علمانية على نحو صرف وتقويتها. وقد وجدت القيم الحياتية والخيارات التي حرمتها المسيحية دعما وزخما سياسيا في ممارسات ومناقشات الإغريق والرومان. وهكذا، على سبيل المثال، استخدمت مناقشة أفلاطون لطبيعة الحب والرغبة، «الندوة»، في تبرير أشكال معينة من المثلية الجنسية الذكورية؛ فأفلاطون لا يأخذ العلاقات الجنسية بين الرجال والصبيان كأمر مسلم به وحسب، وإنما (شأن معاصريه الأرستقراطيين الآخرين) صورها على أنها أعلى وأنبل صور الرغبة الجنسية.
وقد وجدت لكل الأمور المستغربة، من حق التصويت الشامل والديمقراطية، إلى النباتية ووحدة الوجود وحرية العلاقات الجنسية دون التقيد بالزواج واليوجينيا والإبادة الجماعية، سوابق ووجود نافذ في التراث الكلاسيكي. ومن قبيل المفارقة الصارخة أن يفكر علامة أواخر القرن التاسع عشر ودارس التراث الكلاسيكي، نيتشه، على نحو غريب في أن الكون موجود في حالة شد بين التحكم «الأبوللوني» والتحرر «الديونيسي»، وذلك على أساس النصوص ذاتها التي درسها دارسو التراث الكلاسيكي بهدف وضوح عباراتها وجديتها الأخلاقية الراقية المفترضة.
في هذا العالم، قد تعد زيارة لمعبد أبوللو المغيث في جبال أركاديا كل شخص بتقديم نكهة الإثارة التي يختارها، بينما يعمل باوسانياس (و«معاونه» المعاصر فريزر) عمل المرشد للعالم البدائي المختلف قبل مجيء المسيح. كان في مصلحة الكثيرين، بالطبع، أن تظل أجزاء كبيرة من هذه الثقافة الوثنية محفوظة بأمان من أجل «الحضارة». وربما تكون التكلفة هي إعادة التأويل أو التهذيب أو حتى، كملجأ أخير، حذف تلك الجوانب من الأدب الكلاسيكي التي لا تتوافق مع الصور الفيكتورية للثقافة المتحضرة. وهكذا، فإن أفكار «الحب الأفلاطوني» و«العلاقات الأفلاطونية» مشتقة من قراءات لأعمال أفلاطون لا يستطيع أحد اليوم أن يؤيدها؛ حيث الصفة «أفلاطوني» هي نتاج لتاريخ من التأويل لفلسفة أفلاطون. إن الجرائم والمعاناة البشعة الموجودة في التراجيديا الإغريقية كان ينظر إليها على أنها حكايات أخلاقية رمزية، بينما نصوص الكاتب المسرحي الكوميدي أريستوفان، المعدة للاستخدام في المدارس والجامعات، عادة ما كان يحذف منها الدعابات الجنسية الصريحة والفاحشة التي كانت علامة مميزة لكتاباته. بل كان من الممكن تحويل الشخصيات الوثنية إلى مسيحية قبل ظهور المسيحية. ولم يكن دانتي هو الوحيد الذي وجد أن فرجيل يستحق مكانا مكرما في مملكة المسيح، على أساس أنه كان يتمتع ب «روح مسيحية طبيعية»، وإنما واصل الكثير من باحثي القرن التاسع عشر تأويل إحدى أوائل قصائده، والمكتوبة قبل مولد المسيح بأكثر من جيل كامل، على أنها «مسيحية»، من حيث إنها تتنبأ بمولد المسيح. وعلى أي حال، كان بمقدور أي باحث يتبنى نهج فريزر أن يأمل دوما أن يجد، بين ثنايا العالم الكلاسيكي، «آثار» و«بقايا» الوحشية الجامحة والغرابة.
تمخض عن شرح فريزر لدليل السفر الجاف غير المثير الذي وضعه باوسانياس سرد شنيع لحياة الحيوان البشري بالقرب من «أصله»، قبل أن تكبح «الثقافة» جماح ذلك «الوحش» غير المتحضر. وإذا كان باوسانياس قد حن إلى أيام مجد أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد فإن فريزر، من جانبه، سافر بالزمن إلى الوراء كي يجد الحالة الطبيعية للبشرية، والتي لم تختلف في نظره في أيام بلاد اليونان الأولى عن البلاد المتخلفة المستعمرة في القرن التاسع عشر التي يقطنها «الهمج». ربما انتهت القصة بانتصار العقل الأوروبي المسيحي الحديث، لكن في نظر الكثيرين فإن استخدام هذا العقل من أجل النظر للماضي فيما دون سطح الحضارة الكلاسيكية كان هو مصدر الجذب في حد ذاته. ومن شأن الجمع بين الحكايات المتقلبة على نحو مثير، والعنيفة على نحو مقزز للميثولوجيا الإغريقية، وبين الملاحظات الخاصة بالممارسات الشاذة أو الدينية الغامضة التي تتبدى لنا من بين ثنايا وصف اليونان الذي قدمه باوسانياس؛ أن يسمح للخيال بأن يشطح بقدر ما. ولا يزال هذا يحدث إلى الآن.
لكن بغض النظر عن الروح الكامنة خلف عملية التقصي، فإن بحث عبارة واحدة من نص كلاسيكي يتضمن التواصل مع مجموعة من عمليات البحث والتقصي السابقة. وفي موضع ما من قصة دراسة التراث الكلاسيكي تلتقي أعظم نظريات الوجود الشامل مع أشد عمليات الإنفاق الحريص للطاقة على التحليل الدقيق لكلمات أخطئ فهمها في مخطوطات غير جديرة بالثقة.
الفصل السابع
Page inconnue