وقد دهشت فرنسا لأنها تعيش في برجها العاجي فيما يتعلق بالاستعمار، عندما رأت الكتلة الآسيوية الأفريقية تتكون للدفاع عن تونس، وزادت دهشتها لما سجلت القضية التونسية في جدول أعمال هيئة الأمم، وأخيرا لم تحر جوابا، فانسحبت من الجلسة العامة التي أثيرت فيها القضية، ولم تحتمل أن تجلس على كرسي الاتهام، ولفرط استغرابها وبعدها عن الواقع العالمي المحسوس قررت حكومتها عدم الاعتراف بهيئة الأمم في هذه القضية وكأنها نسيت - أو تناست - أنها وقعت ميثاق هيئة الأمم، وأن عملها هو تهديم لتلك المنظمة العالمية. وقد أصرت على موقفها حتى رأينا رئيس وزرائها «بيني» يصرح في «كواليس» مجلس النواب الفرنسي «أن فرنسا لن تقيم وزنا لأي قرار تتخذه الأمم المتحدة في القضية التونسية»، و«أن فرنسا سترفض رفضا باتا السماح بالدخول إلى تونس لأي لجنة تعينها هيئة الأمم» (أكتوبر 1952).
ورأينا أيضا فرنسا تثور وتبرق وترعد ضد كل دولة وكل شعب نصحها بحل الأزمة التونسية حلا عادلا، فكانت صحفها تشن الحملات المسمومة ضد شعوب آسيا وأفريقيا وتشكو باكية من موقف الرأي العام الأمريكي من استعمارها؛ لأن القسم الأكبر من الصحف والمجلات الأمريكية كانت واقفة بجانب تونس تدافع عن الحق والعدل، وقد طالبت بعضها الحكومة الأمريكية ألا تخون الحرية وألا تعزز الاستعمار في العالم، فنشرت مثلا جريدة «وشنجطن بوست» المعروفة بتأييدها للسياسة الخارجية الأمريكية مقالا افتتاحيا في 2 / 4 / 1952 قالت فيه:
إن قرار الحكومة الأمريكية الخاص بالامتناع عن التصويت عند نظر شكوى تونس ضد فرنسا في مجلس الأمن قرار يدل على الجبن، وإن الدبلوماسية الأمريكية تلقت الصفعة التي تستحقها من يد مندوب الباكستان، إن اشتراك الولايات المتحدة في منظمة حلف شمال الأطلنطي يجب ألا يكبل حريتنا في ميدان الشئون الخارجية.
وإذا كانت الدبلوماسية الأمريكية مهتمة بحماية مصالح دول أوروبا الاستعمارية، فما علينا إلا تغيير موقفنا كدولة عالمية وإعادة النظر فيما يتعلق بمصالحنا والسير طبق سياسة خارجية مختلفة تمام الاختلاف عن السياسة التي نسير عليها.
وإن أمريكا وإن لم تؤيد في أول أمرها تسجيل القضية التونسية في جدول أعمال الجلسة العامة لهيئة الأمم المنعقدة بباريس عام 1951-1952 ولا مناقشتها في مجلس الأمن بنيويورك، إلا أنها نصحت فرنسا المرة تلو المرة بوجوب تغيير سياستها بتونس والبر بوعودها لها. ولما رأت تعنت فرنسا سلمت لحكومتها مذكرة رسمية تطالبها بذلك، فقامت قيامة فرنسا إذ ذاك، واجتمع مجلس وزرائها بعد أن رفض «بيني» قبول تلك المذكرة أصلا، ونشر بلاغا باسم الحكومة الفرنسية في 6 / 10 / 1952 جاء فيه: «تقرر أننا لن نقبل أي تدخل في المسائل التي هي في جوهرها من اختصاص السيادة الفرنسية.»
وتوترت العلاقات بين الولايات المتحدة وفرنسا؛ إذ علم كل واحد أن الحكومة الفرنسية تقصد بالتدخل الأجنبي تدخل أمريكا نفسها، ويعتبر الرأي العام الفرنسي كل مناقشة لقضية تونس في هيئة الأمم إنما تقع بإرادة أمريكا أيضا.
فبدلا من أن تنظر فرنسا إلى الحقيقة وتعترف بالواقع وتغير سلوكها فتجلب لنفسها العطف والتقدير، ألصقت التهم بغيرها ظنا منها أن تعنتها وتمسكها باستعمارها ووقوفها لأجله ضد العدو والصديق والخصم والحليف، سيضمن لها بقاء إمبراطوريتها كما هي. فإذا بالرأي العام العالمي ينقلب ضدها في هذه القضية ويعرفها بالحقائق المرة التي أرادت تجاهلها.
وإننا نختار من بين مئات المقالات التي كتبت في هذا الصدد في أمريكا الجنوبية وألمانيا والنمسا وسويسرا وإيطاليا وبلجيكا والدانيمرك والنرويج والسويد كلمة نشرها الكاتب السويدي الحر جونار مولليرن
Gunnar mullern
في جريدة أفطون بلادت الصادرة باستكهولم بتاريخ 1 / 4 / 52 قال:
Page inconnue