وقد اتبعت فرنسا لتثبيت أقدامها سياسة توزيع أراضي التونسيين عليهم أو مساعدتهم على الاستحواذ عليها بشتى الطرق. وبما أن تونس بلاد فلاحية قبل كل شيء، انتقلت ثروة البلاد إلى أيدي هؤلاء الأجانب، وقد عقد الدكتور ثامر فصلا في كتابه «هذه تونس» أعطى فيه الموضوع حقه من البحث، جاء فيه:
لأجل أن تسيطر فرنسا تمام السيطرة على الناحية الاقتصادية في البلاد، وجهت همها إلى الاستيلاء على الأراضي الزراعية، فاتخذت كافة الوسائل الممكنة - وفي مقدمتها إصدار التشريعات المختلفة - لانتزاع الأراضي من يد التونسيين وإقرار الفرنسيين بها، فأصبح هؤلاء الفرنسيون هم المتحكمين في حياة البلاد الاقتصادية.
ثم تساند المستعمرون الفرنسيون مع الفرنسيين أصحاب رءوس الأموال المسيطرين على الحياة التجارية والصناعية، ومع رجال الإدارة الذين بيدهم توجيه السياسة المالية في البلاد، وبذلك أصبح الشعب التونسي مهددا بالفقر أمام هذه القوى التي تسندها السلطة التشريعية والتنفيذية في البلاد.
ولأجل أن نعلم مقدار الظلم الذي حاق بالتونسيين من الناحية الزراعية، يكفي أن نستعرض الوسائل التي اتخذتها السلطة الفرنسية للاستيلاء على أراضي تونس الزراعية.
تبلغ مساحة الأراضي التونسية الصالحة للزراعة تسعة ملايين من الهكتارات، من مساحة المملكة التونسية التي تقدر باثني عشر مليونا ونصف من الهكتارات.
وكانت كل هذه الأراضي بطبيعة الحال - قبل الحماية - تحت تصرف الأهالي، يعيشون من محصولاتها ومن تربية المواشي في مراعيها، وكان بعضها ملكا للدولة أو للأفراد، أو ملكا مشاعا بين القبائل، والبعض الآخر تابعا للأوقاف العامة أو الخاصة.
وما كاد الاستعمار يضع أقدامه في البلاد، حتى اتجه إلى كل قسم من هذه الأقسام، ورسم الطريق للاستيلاء عليه، سالكا سياسة واحدة متتابعة الحلقات طول مدة الاحتلال.
ولما كانت فرنسا مهد القانون الحديث، فإن فقهاءها لم يعدموا الحيل القانونية لانتزاع الأراضي من العرب، فاتخذ القانون مطية لتنفيذ أغراض الجشع الاستعماري، وخلعت فرنسا على سياسة السلب والنهب التي انتهجتها في البلاد التونسية ثوبا من المشروعية، وكل من أمعن النظر في سلسلة تلك النصوص التي أنشئت من العدم لهذا الغرض وتتبعها، يتضح له جليا ما ارتكبته فرنسا من فظائع باسم القانون.
1 (5) أملاك الدولة الخاصة
تقدر أملاك الدولة التونسية الخاصة - قبل عهد الحماية - بمساحة لا تقل عن مليون من الهكتارات، كان للأهالي حق استغلالها، وقد وضع المصلح الكبير الوزير خير الدين برنامجه الواسع لتوزيعها بين الفلاحين، مانحا كلا منهم قطعة أرض مساحتها عشرون هكتارا، ونفذ البرنامج بصفة خاصة بمنطقة زغوان.
Page inconnue