ولما ارتفعت الأصوات في العالم بنقدهم والتشهير بهم، أجابوا الحكومات الأجنبية والرأي العام العالمي بما أجابوا به من قبل التونسيين أنفسهم، وأرادوا أن يحتجوا بما كونوه في البلاد التونسية لوجوب بقائهم بها ، وأخذوا يعددون ما عبدوه من طرق ومدوه من سكك حديدية، وما أنشئوه من أدوات عصرية، وما شيدوه من مدارس ومعاهد للعلم، وما أحدثوه من مستشفيات ومستوصفات، وما استخرجوه من مناجم ومعادن، حتى انقلبت ضجتهم ضدهم وقال لهم السيد ظفر الله خان وزير خارجية باكستان في هيئة الأمم:
إذا كانت الأرقام التي قدمتموها حقا، فإن تونس أكثر تقدما وأوسع نهضة من باكستان نفسها، والباكستان مستقلة فينبغي أن تكون تونس مستقلة قبلها.
ومن البراهين المضحكة التي يلوكونها ويكررونها من غير ملل زيادة عدد السكان في البلاد التونسية. ومن الملاحظ أن عدد السكان بتونس لا يزداد في الواقع إلا في الجهات المبرأة من الاستعمار الفرنسي، أما في النواحي التي تمكن منها ذلك الاستعمار؛ فإن عدد السكان في تناقص، أضف إلى ذلك أن نمو السكان في ازدياد أسرع في البلاد التي لم تعرف الفرنسيين واستعمارهم، مثل الهند وباكستان ومصر، فهو أمر طبيعي خارج عن مؤثرات الدول الغربية كلها.
وقد اتسع التذمر من الحكومة الفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية في الرأي العام الفرنسي نفسه على تفريطها في الممتلكات الفرنسية وعدم صيانتها من الضياع، فمنهم من يطالب بالمحافظة على الكل سيادة وثروة وناموسا، ومنهم من يريد تطورا في الألفاظ وفي بعض المظاهر وإبقاء الجوهر، والكل متفقون على الاستعمار في كنهه.
ويوضح لنا «ميتران» تلك الفكرة في الكلمات الآتية:
إن المسئولين فينا بدلا من أن يبحثوا عن العناصر الثابتة للقوة في العهد الحديث فيوفروها، وبدلا من أن يعملوا على كسبها والمحافظة عليها؛ اكتفوا بالمظاهر الخيالية للهيبة. لقد كنا في سنة 1939 متخلفين بحرب واحدة، وفي سنة 1953 أصبحنا متخلفين بقارة واحدة.
إن امتلاك الثروة التي تحت الأرض ونشر التعليم وتحديد العملة ومراقبة الصرف واحتلال المناطق الاستراتيجية، وتنظيم الجيش والدبلوماسية على أساس جماعي؛ تلك هي المسائل الأصلية التي وقع إهمالها فأصبحت مهددة، ولكن يوجد في البلاد التونسية عدد من المراقبين المدنيين أكبر من عددهم سنة 1938! كسل في التفكير ثم جرأة لا تنظر للعواقب، ذلك ما يمتاز به هذا الضعف الذي يتجلى بمظاهر القوة ببراعة كبيرة حتى يخيل لمعظم الفرنسيين أنها القوة بعينها.
وإننا شاهدنا ظاهرة جديدة بفرنسا إثر الحرب العالمية الثانية، فالرأي العام بها كان يقف في الغالب إلى جانب المظلومين والمقهورين والمستضعفين إذا بلغته جنايات الفرنسيين أنفسهم في المستعمرات، فقام المستعمرون من أبنائها سواء كانوا بباريس أو ببقية الإمبراطورية وخصوصا بالجزائر، بعمل واسع النطاق بذلوا فيه أموالا طائلة للسيطرة على قسم كبير من الصحف والمجلات واستمالة عدد وافر من الساسة الكبار وإيصال معتنقي فكرتهم الاستعمارية إلى زمام الحكم، فأثروا هكذا تأثيرا واسعا عميقا بفضل دعاية مغرضة مسمومة دائمة، وأصبح عدو التونسيين مارتيونو ديبلا
Martinaud Déplat
وزيرا للعدل ودي شوفينييه
Page inconnue