107

Tunis la révoltée

تونس الثائرة

Genres

Jacque Madeleine ، ريمون كليمت

Raymond Ciément

ومجنونا يصيح ويرتعد من الخوف.

ولما رأى الوطنيون أنهم سيكونون بين نارين تفرقوا، وأخذوا معهم عند تقهقرهم أمام الأسلحة سريعة الطلقات والكثرة من العدد عونين من البوليس، ثم بعد ساعة أطلقوا سراحهما وكان أحدهما قد أصيب بجراح بليغة.

وتظاهر الوطنيون في مدينة «جمال» المرة تلو المرة، وكثرت من البوليس الفرنسي الاستفزازات والاعتداءات، إلى أن كان يوم 23 يناير فتقدمت مظاهرة كبرى، واخترقت شوارع المدينة في سيرها نحو مقر السلطات التونسية، وإذا بالبوليس الفرنسي يعيد استفزازه، فصبر له الوطنيون وردوا الفعل، فتسلل أعوان البوليس نحو مركزهم، وهاجمهم التونسيون واقتحموا المركز اقتحاما واستولوا عليه، ولكن الأعوان الفرنسيين فروا من باب خلفي، فأحرق ذلك المركز كله.

وقد ضربت مدينة طبلبة المثال الأعلى في الشجاعة والبطولة وروح التضحية والاستماتة في سبيل الأهداف الوطنية، وقامت المدينة كلها يوم 23 يناير بمظاهرة كبرى اشترك فيها جميع السكان ليسلموا عريضة للسلطات التونسية تعرب عن عزمهم الراسخ على متابعة الكفاح إلى أن يتحقق لتونس استقلالها. وكانت الصفوف تسير بنظام محكم وهدوء كامل، والشبيبة الدستورية بلباسهم الرسمي يحفون بالجماهير ويحافظون على الأمن.

فلم يرق ذلك المنظر الرهيب «المعمرين» الساكنين قرب البلدة - بياس وصهره دريفوكس - ومن الملاحظ أنهما لم يمسا أبدا بسوء، ولم يتعرض لهما أحد من الوطنيين ولا لعيالهما ولا لرزقهما، بل كان الدستوريون أنفسهم يقومون بحمايتهما والمحافظة عليهما ومعاشرتهما عشرة طيبة جعلهما يصرحان دوما أنهما على الحياد. وبعد ظهر ذلك اليوم اقتحم المدينة نحو عشرة من الجندرمة والعساكر، وكان الناس مجتمعين في السوق والشوارع الرئيسية؛ فوسعوا لتلك القوات التي أخذت في دفع التونسيين ولكمهم وصفعهم وتهديدهم تارة باللسان، وتارة بإشهار الأسلحة عليهم. ولكن الوطنيين حافظوا على اتزان أعصابهم ولم يردوا الفعل، ومن الغد علم الوطنيون أن قوات كبيرة من الفرنسيين تتجه نحو مدينتهم، فأعدوا العدة لاستقبالها استقبالا يليق بها، ووضعوا كمينا بمدخل القرية، ثم تسلق قسم منهم السطوح، وأحضروا معهم ما عندهم من أسلحة وقنابل يدوية ومفرقعات.

وكانت أول فرقة من الفرنسيين هاجمت طبلبة، فرقة الكوماندوس البحري التي نزلت من الباخرة إيلان

Elan

في ميناء سوسة، آتية ليلا من بنزرت، فبعد أن خرقت القافلة العسكرية الفرنسية المؤلفة من ذلك الكوماندوس ومن قوات كبرى من الجندرمة، مصحوبة بالدبابات والسيارات المصفحة مدينة المكنين في الساعة الرابعة بعد الظهر؛ توجهت نحو طبلبة وشرعت تدخلها، وفي مقدمتها بعض الدبابات والسيارات المصفحة وكذلك في مؤخرتها. وكان أهل طبلبة صامتين هادئين على استعداد تام للهجوم، وقد أفرغوا الشوارع كلها، وبعد أن تورطت القافلة وسط المدينة، هاجمها الكمين خارج القرية، فكسروا بعض «اللوريات» التي سدت الطريق، وأخذوا التونسيون حالا يرمون قنابلهم ومفرقعاتهم ويطلقون نيران أسلحتهم من السطوح، ونزلت قنبلة كبيرة على دبابة، فكسرتها وقتلت من فيها ووقعت أخرى على «لوري»، ففرقعته وقتلت جميع من فيه من عساكر. وكثر الموتى والجرحى من الفرنسيين، وتحمس الوطنيون، واعتلى منهم التشهد والتكبير، وتقدمت بطلة طبلبة الشهيدة أم التيجاني بن سالم نحو ابنها حاملة بندقية، وقالت له: «إما أن تخرج للجهاد، وإما أن أخرج بنفسي.» ولم تمهله ليجيب، بل أسرعت نحو محل المعركة، وأخذت مكانها من القتال، وجاهدت إلى أن استشهدت. وكان بقية نسوة القرية يشجعن الوطنيين، ويعنهم، ويمددنهن بالذخيرة وهن يولولن ويزغردن. وسقطت شهيدة أخرى «محبوبة بنت صندل» وهي تعين المجاهدين، وقد التقط أحد الجنود الفرنسيين قنبلة يدوية سقطت على اللوري الذي كان به وأرجعها إلى سطح البيت القريب منه، فجرح بعض المجاهدين، وأخيرا تغلب أشبال طبلبة وسجلوا انتصارا باهرا على المهاجمين الذين فر منهم بأرواحهم من بقي حيا حاملين معهم قتلاهم وجرحاهم، وهكذا تحررت المدينة من الأجنبي. وعند انهزامهم صادفوا شيخا مسنا تجاوز الثمانين من عمره «عمار بن عبد السلام بيوض» فأردوه قتيلا.

Page inconnue